للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: ﴿إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً﴾ أي إذا رأيتهم في انتشارهم في قضاء حوائج السادة وكثرتهم وصباحة وجوههم وحسن ألوانهم وثيابهم وحليهم حسبتهم لؤلؤا منثورا، ولا يكون في التشبيه أحسن من هذا ولا في المنظر أحسن من اللؤلؤ المنثور على المكان الحسن. وقال قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو: ما من أهل الجنة من أحد إلا يسعى عليه ألف خادم كل خادم على عمل ما عليه صاحبه.

وقوله جل وعلا: ﴿وَإِذا رَأَيْتَ﴾ أي وإذا رأيت يا محمد ﴿ثَمَّ﴾ أي هناك يعني في الجنة ونعيمها وسعتها وارتفاعها وما فيها من الحبرة والسرور ﴿رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً﴾ أي مملكة لله هناك عظيمة وسلطانا باهرا. وثبت في الصحيح أن الله تعالى يقول لآخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا إليها: إن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها. وقد قدمنا في الحديث المروي من طريق ثوير بن أبي فاختة عن ابن عمر قال: قال رسول الله : «إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر في ملكه مسيرة ألف سنة ينظر إلى أقصاه كما ينظر إلى أدناه» (١) فإذا كان هذا عطاؤه تعالى لأدنى من يكون في الجنة فما ظنك بما هو أعلى منزلة وأحظى عنده تعالى؟ وقد روى الطبراني هاهنا حديثا غريبا جدا فقال: حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا محمد بن عمار الموصلي، حدثنا عقبة بن سالم عن أيوب بن عتبة عن عطاء عن ابن عمر قال:

جاء رجل من الحبشة إلى رسول الله فقال له رسول الله : «سل واستفهم» فقال:

يا رسول الله فضلتم علينا بالصور والألوان والنبوة، أفرأيت إن آمنت بما آمنت به وعملت بما عملت به إني لكائن معك في الجنة؟ قال: «نعم والذي نفسي بيده إنه ليرى بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام» ثم قال رسول الله : «من قال لا إله إلا الله كان له بها عهد عند الله، ومن قال سبحان الله وبحمده كتب له مائة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة» فقال رجل: كيف نهلك بعد هذا يا رسول الله؟ فقال رسول الله «إن الرجل ليأتي يوم القيامة بالعمل لو وضع على جبل لأثقله فتقوم النعمة أو نعم الله فتكاد تستنفد ذلك كله إلا أن يتغمده الله برحمته» ونزلت هذه السورة ﴿هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ﴾ -إلى قوله- ﴿مُلْكاً كَبِيراً﴾ فقال الحبشي: وإن عيني لترى ما ترى عيناك في الجنة قال «نعم» فاستبكى حتى فاضت نفسه. قال ابن عمر: ولقد رأيت رسول الله يدليه في حفرته بيده.

وقوله : ﴿عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ﴾ أي لباس أهل الجنة فيها الحرير ومنه سندس وهو رفيع الحرير كالقمصان ونحوها مما يلي أبدانهم، والإستبرق منه ما فيه بريق ولمعان وهو مما يلي الظاهر كما هو المعهود في اللباس ﴿وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ﴾ وهذه صفة


(١) أخرجه أحمد في المسند ٢/ ١٣، والترمذي في تفسير سورة ٧٥، باب ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>