للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَأَى الْبَخْتَرِيُّ الْعَابِدُ رَجُلًا مِنْ آلِ عَلِيٍّ يَمْشِي وَهُوَ يَخْطِرُ فِي مِشْيَتِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا هَذَا، إِنَّ الَّذِي أَكْرَمَكَ بِهِ لَمْ تكن هذه مشيته، قال: فتركها وَرَأَى ابْنُ عُمَرَ رَجُلًا يَخْطِرُ فِي مِشْيَتِهِ، فَقَالَ:

إِنَّ لِلشَّيَاطِينِ إِخْوَانًا. وَقَالَ خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ: إِيَّاكُمْ وَالْخَطْرَ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَدُهُ مِنْ سَائِرِ جَسَدِهِ، رَوَاهُمَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى عن سعيد عن محسن قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «إذا مشيت أُمَّتِي الْمُطَيْطَاءَ، وَخَدَمَتْهُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ، سُلِّطَ بَعْضُهُمْ على بعض» .

وقوله: كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً أُمَّا مَنْ قَرَأَ سَيِّئَةٌ، أَيْ فَاحِشَةٌ فَمَعْنَاهُ عنده كل هذا الذي نهيناه عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ [الإسراء: ٣١] إلى هنا فهو سيئة مؤاخذ عليها مكروه عِنْدَ اللَّهِ لَا يُحِبُّهُ وَلَا يَرْضَاهُ، وَأَمَّا مَنْ قَرَأَ سَيِّئُهُ عَلَى الْإِضَافَةِ فَمَعْنَاهُ عِنْدَهُ كُلُّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الْإِسْرَاءِ: ٢٣] إلى هنا فَسَيِّئُهُ أَيْ فَقَبِيحُهُ مَكْرُوهٌ عِنْدَ اللَّهِ، هَكَذَا وجه ذلك ابن جرير رحمه الله.

[[سورة الإسراء (١٧) : آية ٣٩]]

ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (٣٩)

يَقُولُ تَعَالَى: هَذَا الَّذِي أَمَرْنَاكَ بِهِ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْجَمِيلَةِ، وَنَهَيْنَاكَ عَنْهُ مِنَ الصِّفَاتِ الرَّذِيلَةِ، مِمَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ لِتَأْمُرَ بِهِ النَّاسَ، وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً أَيْ تَلُومُكَ نَفْسُكَ وَيَلُومُكَ اللَّهُ وَالْخَلْقُ، مَدْحُوراً أي مبعدا من كل خير، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: مَطْرُودًا «١» ، وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْخِطَابِ الْأُمَّةُ بِوَاسِطَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ معصوم.

[[سورة الإسراء (١٧) : آية ٤٠]]

أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً (٤٠)

يَقُولُ تَعَالَى رَادًّا عَلَى الْمُشْرِكِينَ الْكَاذِبِينَ الزَّاعِمِينَ، عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، فَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا، ثُمَّ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ بنات الله، ثم عبدوهم فأخطأوا فِي كُلٍّ مِنَ الْمَقَامَاتِ الثَّلَاثِ خَطَأً عَظِيمًا، فقال تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ أَيْ خَصَّصَكُمْ بِالذُّكُورِ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً أَيْ واختار لِنَفْسِهِ عَلَى زَعْمِكُمُ الْبَنَاتِ، ثُمَّ شَدَّدَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً أَيْ في زعمكم أن لِلَّهِ وَلَدًا، ثُمَّ جَعْلِكُمْ وَلَدَهُ الْإِنَاثَ الَّتِي تَأْنَفُونَ أَنْ يَكُنَّ لَكُمْ وَرُبَّمَا قَتَلْتُمُوهُنَّ بِالْوَأْدِ، فتلك إدا قسمة ضيزى، وَقَالَ تَعَالَى: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً


(١) انظر تفسير الطبري ٨/ ٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>