للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم الدلالة، وحقت عليهم الكلمة وسكتوا عَنِ الِاعْتِذَارِ حِينَ لَا فِرَارَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَهُمُ السَّادَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْمُخْبِرُونَ عَنِ الْحَقِّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَيَقُولُونَ حِينَئِذٍ: إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ أي الفضيحة والعذاب محيط اليوم بِمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَأَشْرَكَ بِهِ مَا لَا يضره وما لا ينفعه.

[سورة النحل (١٦) : الآيات ٢٨ الى ٢٩]

الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٢٩)

يُخْبِرُ تعالى عن حال المشركين الظالمين أَنْفُسِهِمْ عِنْدَ احْتِضَارِهِمْ وَمَجِيءِ الْمَلَائِكَةِ إِلَيْهِمْ لِقَبْضِ أرواحهم الخبيثة فَأَلْقَوُا السَّلَمَ أَيْ أَظْهَرُوا السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ وَالِانْقِيَادَ قَائِلِينَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ كَمَا يَقُولُونَ يَوْمَ الْمَعَادِ وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الْأَنْعَامِ: ٢٣] يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ [الْمُجَادَلَةِ: ١٨] قَالَ اللَّهُ مُكَذِّبًا لَهُمْ فِي قِيلِهِمْ ذَلِكَ بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ أَيْ بِئْسَ الْمَقِيلُ وَالْمَقَامُ وَالْمَكَانُ مِنْ دَارِ هَوَانٍ لِمَنْ كَانَ مُتَكَبِّرًا عَنْ آيَاتِ اللَّهِ وَاتِّبَاعِ رُسُلِهِ، وَهُمْ يَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ مِنْ يَوْمِ مَمَاتِهِمْ بأرواحهم، وينال أَجْسَادَهُمْ فِي قُبُورِهَا مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ سَلَكَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ وَخَلَدَتْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ لَا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها [فَاطِرٍ: ٣٦] كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ

[غافر: ٤٦] .

[سورة النحل (١٦) : الآيات ٣٠ الى ٣٢]

وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (٣١) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٢)

هَذَا خَبَرٌ عَنِ السُّعَدَاءِ بِخِلَافِ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنِ الْأَشْقِيَاءِ، فَإِنَّ أُولَئِكَ قيل لهم: مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا مُعْرِضِينَ عَنِ الْجَوَابِ: لَمْ يُنْزِلْ شَيْئًا إِنَّمَا هَذَا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، وَهَؤُلَاءِ قَالُوا:

خَيْرًا، أَيْ أَنْزَلَ خَيْرًا، أَيْ رحمة وبركة لمن اتبعه وآمن به. ثم أخبر عما وعد الله عباده فيما أنزله على رسله فقال: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ الآية، كقوله تَعَالَى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ [النَّحْلِ: ٩٧] أَيْ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلَهُ فِي الدُّنْيَا أَحْسَنَ اللَّهُ إليه عمله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، ثُمَّ أَخْبَرَ بِأَنَّ دَارَ الْآخِرَةِ خَيْرٌ أَيْ مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَالْجَزَاءُ فيها أتم من الجزاء في الدنيا، كقوله: وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ [القصص: ٨٠] الآية. وَقَالَ تَعَالَى:

وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ [آلِ عِمْرَانَ: ١٩٨] وَقَالَ تَعَالَى: وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى [الأعلى:]

<<  <  ج: ص:  >  >>