للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«كم ينحرون كل يوم؟» قالا: يوما تسعا ويوما عشرا، قال رسول الله : «القوم ما بين التسعمائة إلى الألف» ثم قال لهما: «فمن فيهم من أشراف قريش؟» قالا: عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو البختري بن هشام وحكيم بن حزام ونوفل بن خويلد والحارث بن عامر بن نوفل، وطعيمة بن عدي بن نوفل والنضر بن الحارث، وزمعة بن الأسود وأبو جهل بن هشام وأمية بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، وسهيل بن عمرو وعمرو بن عبد ود، فأقبل رسول الله على الناس فقال: «هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها».

قال محمد بن إسحاق (١) رحمه الله تعالى: وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم، أن سعد بن معاذ قال لرسول الله : لما التقى الناس يوم بدر يا رسول الله، ألا نبني لك عريشا تكون فيه، وننيخ إليك ركائبك، ونلقى عدونا، فإن أظفرنا الله عليهم وأعزنا فذاك ما نحب، وإن تكن الأخرى، فتجلس على ركائبك وتلحق بمن وراءنا من قومنا، فقد والله تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد لك حبا منهم، لو علموا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك، ويوازرونك وينصرونك. فأثنى عليه رسول الله خيرا، ودعا له به فبني له عريش، فكان فيه رسول الله وأبو بكر ما معهما غيرهما. قال ابن إسحاق: وارتحلت قريش حين أصبحت، فلما أقبلت ورآها رسول الله تصوب من العقنقل، وهو الكثيب، الذي جاءوا منه إلى الوادي، فقال: «اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك اللهم أحنهم الغداة».

وقوله: ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾، قال محمد بن إسحاق: أي ليكفر من كفر بعد الحجة لما رأى من الآية والعبرة، ويؤمن من آمن على مثل ذلك، وهذا تفسير جيد. وبسط ذلك أنه تعالى يقول: إنما جمعكم مع عدوكم في مكان واحد، على غير ميعاد، لينصركم عليهم ويرفع كلمة الحق على الباطل، ليصير الأمر ظاهرا والحجة قاطعة والبراهين ساطعة، ولا يبقى لأحد حجة، ولا شبهة، فحينئذ يهلك من هلك أي يستمر في الكفر من استمر فيه، على بصيرة من أمره، إنه مبطل لقيام الحجة عليه، ﴿وَيَحْيى مَنْ حَيَّ﴾ أي يؤمن من آمن ﴿عَنْ بَيِّنَةٍ﴾ أي حجة وبصيرة، والإيمان هو حياة القلوب، قال الله تعالى: ﴿أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ﴾ [الأنعام: ١٢٢] وقالت عائشة في قصة الإفك فهلك فيّ من هلك (٢)، أي قال فيها ما قال من البهتان والإفك. وقوله: ﴿وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ﴾ أي لدعائكم وتضرعكم واستغاثتكم به، ﴿عَلِيمٌ﴾ أي بكم، وأنكم تستحقون النصر


(١) سيرة ابن هشام ١/ ٦٢٠، ٦٢١.
(٢) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٢٤، باب ٦، والمغازي باب ٣٤، ومسلم في التوبة حديث ٥٦، وأحمد في المسند ٦/ ١٩٥، ولفظ أحمد في المسند: «فهلك فيمن هلك في شأني»، ولفظ البخاري ومسلم: «فهلك من هلك في شأنى».

<<  <  ج: ص:  >  >>