للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حد الدنيا فكل حد فرض الله عقوبته في الدنيا، وأما حد الآخرة فكل شيء ختمه الله بالنار وأخر عقوبته إلى الآخرة. وكذا قال عكرمة وقتادة والضحاك.

وقوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ﴾ أي رحمته وسعت كل شيء ومغفرته تسع الذنوب كلها لمن تاب منها كقوله تعالى: ﴿قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: ٥٣] وقوله تعالى: ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾ أي هو بصير بكم عليم بأحوالكم وأفعالكم وأقوالكم التي تصدر عنكم، وتقع منكم حين أنشأ أباكم من الأرض، واستخرج ذريته من صلبه أمثال الذر ثم قسمهم فريقين: فريقا للجنة وفريقا للسعير. وكذا قوله: ﴿وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ﴾ قد كتب الملك الذي يوكل به رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد؟ قال مكحول: كنا أجنة في بطون أمهاتنا فسقط منا من سقط، وكنا فيمن بقي ثم كنا مراضع فهلك منا من هلك، وكنا فيمن بقي ثم صرنا يفعة فهلك منا من هلك، وكنا فيمن بقي ثم صرنا شبابا فهلك منا من هلك، وكنا فيمن بقي ثم صرنا شيوخا لا أبالك فماذا بعد هذا ننتظر؟ رواه ابن أبي حاتم عنه.

وقوله تعالى: ﴿فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ﴾ أي تمدحوها وتشكروها وتمنوا بأعمالكم ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى﴾ كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾ [النساء: ٤٩]. وقال مسلم في صحيحه: حدثنا عمرو الناقد، حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو بن عطاء قال:

سميت ابنتي برة فقالت لي زينب بنت أبي سلمة: إن رسول الله نهى عن هذا الاسم وسميت برة، فقال رسول الله : «لا تزكوا أنفسكم إن الله أعلم بأهل البر منكم» فقالوا: بم نسميها؟ قال: «سموها زينب» (١) وقد ثبت أيضا في الحديث الذي رواه الإمام أحمد (٢) حيث قال:

حدثنا عفان، حدثنا وهيب، حدثنا خالد الحذاء عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال:

مدح رجل رجلا عند النبي فقال رسول الله : «ويلك قطعت عنق صاحبك-مرارا-إذا كان أحدكم مادحا صاحبه لا محالة فليقل أحسب فلانا والله حسيبه ولا أزكي على الله أحدا، أحسبه كذا وكذا إن كان يعلم ذلك» (٣) ثم رواه عن غندر عن شعبة عن خالد الحذاء به، وكذا رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة من طرق عن خالد الحذاء به.

وقال الإمام أحمد (٤): حدثنا وكيع وعبد الرحمن قالا: أخبرنا سفيان عن منصور عن


(١) أخرجه مسلم في الآداب حديث ١٦، ١٧.
(٢) المسند ٥/ ٤١، ٤٥، ٤٦.
(٣) أخرجه البخاري في الأدب باب ٥٤، ٩٥، ومسلم في الزهد حديث ٦٥، وأبو داود في الحدود باب ٢٣.
(٤) المسند ٦/ ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>