للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا عاينوا عذاب الله وعقابه سائلين رفعه وكشفه عنهم كقوله جلت عظمته ﴿وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنعام: ٢٧] وكذا قوله جل وعلا: ﴿وَأَنْذِرِ النّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ﴾ [إبراهيم: ٤٤].

وهكذا قال جل وعلا هاهنا: ﴿أَنّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ﴾. يقول: كيف لهم بالتذكر وقد أرسلنا إليهم رسولا بين الرسالة والنذارة، ومع هذا تولوا عنه وما وافقوه بل كذبوه وقالوا معلم مجنون، وهذا كقوله جلت عظمته: ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنّى لَهُ الذِّكْرى يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي﴾ [الفجر: ٢٣ - ٢٤] الآية وكقوله ﷿:

﴿وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ وَقالُوا آمَنّا بِهِ وَأَنّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ﴾ إلى آخر السورة [سبأ: ٥١ - ٥٤].

وقوله تعالى: ﴿إِنّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ﴾ يحتمل معنيين: (أحدهما) أنه يقول تعالى ولو كشفنا عنكم العذاب ورجعناكم إلى الدار الدنيا، لعدتم إلى ما كنتم فيه من الكفر والتكذيب كقوله تعالى: ﴿وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [المؤمنون: ٧٥] وكقوله جلت عظمته: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ﴾ [الأنعام: ٢٨]. و (الثاني) أن يكون المراد إنا مؤخر والعذاب عنكم قليلا بعد انعقاد أسبابه ووصوله إليكم. وأنتم مستمرون فيما أنتم فيه من الطغيان والضلال، ولا يلزم من الكشف عنهم أن يكون باشرهم كقوله تعالى: ﴿إِلاّ قَوْمَ يُونُسَ لَمّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ﴾ [يونس: ٩٨]. ولم يكن العذاب باشرهم واتصل بهم بل كان قد انعقد سببه عليهم، ولا يلزم أيضا أن يكونوا قد أقلعوا عن كفرهم ثم عادوا إليه، قال الله تعالى إخبارا عن شعيب أنه قال لقومه حين قالوا: ﴿لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنّا كارِهِينَ قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجّانَا اللهُ مِنْها﴾ [الأعراف: ٨٨ - ٨٩] وشعيب لم يكن قط على ملتهم وطريقتهم، وقال قتادة: إنكم عائدون إلى عذاب الله (١).

وقوله ﷿: ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنّا مُنْتَقِمُونَ﴾ فسر ذلك ابن مسعود بيوم بدر، وهذا قول جماعة ممن وافق ابن مسعود على تفسيره الدخان بما تقدم، وروي أيضا عن ابن عباس من رواية العوفي عنه وعن أبي بن كعب ، وهو محتمل، والظاهر أن ذلك يوم القيامة وإن كان يوم بدر يوم بطشة أيضا قال ابن جرير (٢): حدثني يعقوب حدثني ابن علية، حدثنا خالد الحذاء عن عكرمة قال: قال ابن


(١) انظر تفسير الطبري ١١/ ٢٢٩.
(٢) تفسير الطبري ١١/ ٢٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>