للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حديث حسن صحيح.

[[سورة آل عمران (٣) : آية ٧٨]]

وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٨)

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ الْيَهُودِ عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ، أَنَّ مِنْهُمْ فَرِيقًا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَيُبَدِّلُونَ كَلَامَ اللَّهِ وَيُزِيلُونَهُ عَنِ الْمُرَادِ بِهِ، لِيُوهِمُوا الْجَهَلَةَ أَنَّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ كَذَلِكَ، وَيَنْسُبُونَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ قَدْ كَذَبُوا وَافْتَرَوْا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ يُحَرِّفُونَهُ، وَهَكَذَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ يُحَرِّفُونَ وَيَزِيدُونَ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ يُزِيلُ لَفْظَ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ، لَكِنَّهُمْ يُحَرِّفُونَهُ ويتأولونه عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ.

وَقَالَ وَهَبْ بْنُ مُنَبِّهٍ: إن التوراة والإنجيل كما أنزلهما الله تعالى لم يغير منها حَرْفٌ وَلَكِنَّهُمْ يُضِلُّونَ بِالتَّحْرِيفِ وَالتَّأْوِيلِ وَكُتُبٍ كَانُوا يَكْتُبُونَهَا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فأما كتب الله فإنها محفوظة لا تُحَوَّلُ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، فَإِنْ عَنَى وَهْبٌ مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَهَا التَّبْدِيلُ وَالتَّحْرِيفُ وَالزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ، وَأَمَّا تَعْرِيبُ ذَلِكَ الْمُشَاهَدِ بِالْعَرَبِيَّةِ فَفِيهِ خَطَأٌ كَبِيرٌ وَزِيَادَاتٌ كَثِيرَةٌ وَنُقْصَانٌ وَوَهْمٌ فَاحِشٌ، وَهُوَ من باب تفسير المعرب المعبر وَفَهْمُ كَثِيرٍ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ بَلْ جَمِيعُهُمْ فَاسِدٌ وَأَمَّا إِنْ عَنَى كُتُبَ اللَّهِ الَّتِي هي كتبه عِنْدِهِ فَتِلْكَ كَمَا قَالَ: مَحْفُوظَةٌ لَمْ يَدْخُلْهَا شيء.

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٧٩ الى ٨٠]

مَا كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (٧٩) وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (٨٠)

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ «١» : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو رَافِعٍ الْقُرَظِيُّ- حِينَ اجْتَمَعَتِ الْأَحْبَارُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ: أَتُرِيدُ يَا مُحَمَّدُ أَنْ نَعْبُدَكَ كَمَا تَعْبُدُ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ نَصْرَانِيٌّ يُقَالُ لَهُ الرَّئِيسُ «٢» : أَوَذَاكَ تُرِيدُ منا يا محمد وإليه تدعونا؟ أَوْ كَمَا قَالَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَعْبُدَ غير الله، أو أن نأمر بعبادة غير الله، مَا بِذَلِكَ بَعَثَنِي وَلَا بِذَلِكَ أَمَرَنِي» أَوْ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ الله في ذلك من قولهما:


(١) سيرة ابن هشام ١/ ٥٥٤ وتفسير الطبري ٣/ ٣٢٣.
(٢) في سيرة ابن هشام: «الربّيس» مثل سكّيت. وربّيس السحرة هو رئيسهم وكبيرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>