للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال آخرون: ويدخل بنو البنات فيهم أيضا، لما ثبت في صحيح البخاري، أن رسول الله قال للحسن بن علي «إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» (١) فسماه ابنا، فدل على دخوله في الأبناء. وقال آخرون: هذا تجوز، وقوله ﴿وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ﴾ ذكر أصولهم وفروعهم، وذوي طبقتهم وأن الهداية والاجتباء شملهم كلهم، ولهذا قال ﴿وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ثم قال تعالى:

﴿ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ﴾ أي إنما حصل لهم ذلك بتوفيق الله وهدايته إياهم، ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ تشديد لأمر الشرك وتغليظ لشأنه وتعظيم لملابسته، كقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: ٦٥] الآية، وهذا شرط، والشرط لا يقتضي جواز الوقوع، كقوله ﴿قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ﴾ [الزخرف: ٨١] وكقوله ﴿لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنّا إِنْ كُنّا فاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: ١٧] وكقوله ﴿لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفى مِمّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهّارُ﴾ [الزمر: ٤]. وقوله تعالى: ﴿أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ﴾ أي أنعمنا عليه-بذلك، رحمة للعباد بهم ولطفا منا بالخليقة، ﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِها﴾ أي بالنبوة، ويحتمل أن يكون الضمير عائدا على هذه الأشياء الثلاثة، الكتاب والحكم والنبوة.

وقوله ﴿هؤُلاءِ﴾ يعني أهل مكة، قاله ابن عباس وسعيد بن المسيب والضحاك وقتادة والسدي وغير واحد، ﴿فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ﴾ أي إن يكفر بهذه النعم، من كفر بها من قريش وغيرهم من سائر أهل الأرض، من عرب وعجم، وملّيين وكتابيين، فقد وكلنا بها قوما آخرين أي المهاجرين والأنصار وأتباعهم إلى يوم القيامة، ﴿لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ﴾ أي لا يجحدون منها شيئا، ولا يردون منها حرفا واحدا، بل يؤمنون بجميعها، محكمها ومتشابهها، جعلنا الله منهم بمنّه وكرمه وإحسانه، ثم قال تعالى مخاطبا عبده ورسوله محمدا ﴿أُولئِكَ﴾ يعني الأنبياء المذكورين، مع من أضيف إليهم من الآباء والذرية والإخوان، وهم الأشباه، ﴿الَّذِينَ هَدَى اللهُ﴾ أي هم أهل الهدى لا غيرهم ﴿فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ﴾، أي اقتد واتبع، وإذا كان هذا أمرا للرسول ، فأمته تبع له، فيما يشرعه ويأمرهم به.

قال البخاري عند هذه الآية: حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام أن ابن جريج أخبرهم قال: أخبرني سليمان الأحول أن مجاهدا أخبره، أنه سأل ابن عباس أفي (ص) سجدة؟ فقال نعم، ثم تلا ﴿وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ إلى قوله ﴿فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ﴾ ثم قال هو منهم، زاد يزيد بن هارون، ومحمد بن عبيد، وسهل بن يوسف، عن العوام عن مجاهد، قلت لابن عباس فقال نبيكم ممن أمر أن يقتدي بهم (٢). وقوله تعالى: ﴿قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً﴾


(١) صحيح البخاري (فتن باب ٢٠ وصلح باب ٩)
(٢) صحيح البخاري (تفسير سورة الأنعام باب ٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>