للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول : ولو ترى يا محمد إذ فزع هؤلاء المكذبون يوم القيامة، فلا فوت أي فلا مفر لهم ولا وزر لهم ولا ملجأ ﴿وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ﴾ أي لم يمكنوا أن يمعنوا في الهرب بل أخذوا من أول وهلة. قال الحسن البصري: حين خرجوا من قبورهم. وقال مجاهد وعطية العوفي وقتادة: من تحت أقدامهم. وعن ابن عباس والضحاك: يعني عذابهم في الدنيا. وقال عبد الرحمن بن زيد: يعني قتلهم يوم بدر، والصحيح أن المراد بذلك يوم القيامة، وهو الطامة العظمى، وإن كان ما ذكر متصلا بذلك.

وحكى ابن جرير (١) عن بعضهم قال: إن المراد بذلك جيش يخسف بهم بين مكة والمدينة في أيام بني العباس . ثم أورد في ذلك حديثا موضوعا بالكلية، ثم لم ينبه على ذلك، وهذا أمر عجيب غريب منه ﴿وَقالُوا آمَنّا بِهِ﴾ أي يوم القيامة يقولون آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنّا مُوقِنُونَ﴾ [السجدة: ١٢] ولهذا قال تعالى: ﴿وَأَنّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ﴾ أي وكيف لهم تعاطي الإيمان وقد بعدوا عن محل قبوله منهم، وصاروا إلى الدار الآخرة وهي دار الجزاء لا دار الابتلاء، فلو كانوا آمنوا في الدنيا لكان ذلك نافعهم ولكن بعد مصيرهم إلى الدار الآخرة لا سبيل لهم إلى قبول الإيمان، كما لا سبيل إلى حصول الشيء لمن يتناوله من بعيد.

قال مجاهد ﴿وَأَنّى لَهُمُ التَّناوُشُ﴾ قال: التناول لذلك. وقال الزهري: التناوش تناولهم الإيمان وهم في الآخرة وقد انقطعت عنهم الدنيا، وقال الحسن البصري: أما إنهم طلبوا الأمر من حيث لا ينال تعاطوا الإيمان من مكان بعيد. وقال ابن عباس : طلبوا الرجعة إلى الدنيا والتوبة مما هم فيه وليس بحين رجعة ولا توبة، وكذا قال محمد بن كعب القرظي .

وقوله تعالى: ﴿وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ﴾ أي كيف يحصل لهم الإيمان في الآخرة وقد كفروا بالحق في الدنيا وكذبوا الرسل ﴿وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ﴾ قال مالك عن زيد بن أسلم ﴿وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ﴾ قال: بالظن، قلت: كما قال تعالى: ﴿رَجْماً بِالْغَيْبِ﴾ [الكهف: ٢٢] فتارة يقولون شاعر، وتارة يقولون كاهن، وتارة يقولون ساحر، وتارة يقولون مجنون إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة، ويكذبون بالبعث والنشور والمعاد ويقولون ﴿إِنْ نَظُنُّ إِلاّ ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ﴾ [الجاثية: ٣٢] قال قتادة ومجاهد: يرجمون بالظن لا بعث ولا جنة ولا نار.

وقوله تعالى: ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ﴾ قال الحسن البصري والضحاك وغيرهما:

يعني الإيمان وقال السدي ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ﴾ وهي التوبة، وهذا اختيار ابن جرير


(١) تفسير الطبري ١٠/ ٣٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>