الكبر منه حين أمره بالسجود لآدم ف ﴿اِسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ﴾.
قال ابن عباس قوله: ﴿كانَ مِنَ الْجِنِّ﴾ أي من خزان الجنان، كما يقال للرجل مكي ومدني وبصري وكوفي. وقال ابن جريج عن ابن عباس نحو ذلك، وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: هو من خزان الجنة، وكان يدبر أمر السماء الدنيا، رواه ابن جرير من حديث الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد به. وقال سعيد بن المسيب: كان رئيس ملائكة سماء الدنيا، وقال ابن إسحاق عن خلاد بن عطاء عن طاوس عن ابن عباس قال: كان إبليس قبل أن يركب المعصية من الملائكة اسمه عزازيل، وكان من سكان الأرض، وكان من أشد الملائكة اجتهادا وأكثرهم علما، فذلك دعاه إلى الكبر، وكان من حي يسمون جنا.
وقال ابن جريج عن صالح مولى التوأمة وشريك بن أبي نمر، أحدهما أو كلاهما عن ابن عباس قال: إن من الملائكة قبيلة من الجن، وكان إبليس منها وكان يسوس ما بين السماء والأرض، فعصى، فسخط الله عليه فمسخه شيطانا رجيما، لعنه الله ممسوخا، قال: وإذا كانت خطيئة الرجل في كبر فلا ترجه، وإذا كانت في معصية فارجه، وعن سعيد بن جبير أنه قال:
كان من الجنانين الذين يعملون في الجنة، وقد روي في هذا آثار كثيرة عن السلف، وغالبها من الإسرائيليات التي تنقل لينظر فيها، والله أعلم بحال كثير منها، ومنها ما قد يقطع بكذبه لمخالفته للحق الذي بأيدينا، وفي القرآن غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان، وقد وضع فيها أشياء كثيرة وليس لهم من الحفاظ المتقنين الذين ينفون عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين، كما لهذه الأمة من الأئمة والعلماء والسادة والأتقياء والبررة والنجباء من الجهابذة النقاد والحفاظ الجياد الذين دونوا الحديث، وحرروه وبينوا صحيحه من حسنه من ضعفيه من منكره، وموضوعه ومتروكه ومكذوبه، وعرفوا الوضاعين والكذابين والمجهولين وغير ذلك من أصناف الرجال، كل ذلك صيانة للجناب النبوي والمقام المحمدي خاتم الرسل وسيد البشر ﷺ أن ينسب إليه كذب أو يحدث عنه بما ليس منه، فرضي الله عنهم وأرضاهم، وجعل جنات الفردوس مأواهم وقد فعل.
وقوله: ﴿فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ أي فخرج عن طاعة الله، فإن الفسق هو الخروج، يقال:
فسقت الرطبة إذا خرجت من أكمامها، وفسقت الفأرة من جحرها إذا خرجت منه للعيث والفساد، ثم قال تعالى مقرعا وموبخا لمن اتبعه وأطاعه ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي﴾ الآية، أي بدلا عني، ولهذا قال: ﴿بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً﴾ وهذا المقام كقوله بعد ذكر القيامة وأهوالها ومصير كل من الفريقين السعداء والأشقياء في سورة يس ﴿وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ﴾ -إلى قوله- ﴿أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ﴾ [يس: ٥٩ - ٦٢].