للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للناس من كيده ومكره في قوله ﴿إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها﴾ أي إن غلبته لكم في يومكم هذا إنما كان عن تشاور منكم ورضا منكم لذلك كقوله في الآية الأخرى ﴿إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾ [طه: ٢٣٨] وهو يعلم وكل من له لب أن هذا الذي قاله من أبطل الباطل فإن موسى بمجرد ما جاء من مدين دعا فرعون إلى الله وأظهر المعجزات الباهرة والحجج القاطعة على صدق ما جاء به.

فعند ذلك أرسل فرعون في مدائن ملكه ومعاملة سلطنته فجمع سحرة متفرقين من سائر الأقاليم ببلاد مصر ممن اختار هو والملأ من قومه وأحضرهم عنده ووعدهم بالعطاء الجزيل ولهذا قد كانوا من أحرص الناس على ذلك وعلى الظهور في مقامهم ذلك والتقدم عند فرعون.

وموسى لا يعرف أحدا منهم ولا رآه ولا اجتمع به وفرعون يعلم ذلك وإنما قال هذا تسترا وتدليسا على رعاع دولته وجهلتهم كما قال تعالى: ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ﴾ [الزخرف: ٥٤] فإن قوما صدقوه في قوله ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى﴾ [النازعات: ٢٤] من أجهل خلق الله وأضلهم.

وقال السدي في تفسيره بإسناده المشهور عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما من الصحابة في قوله تعالى: ﴿إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ﴾ قال: التقى موسى وأمير السحرة فقال له موسى أرأيتك إن غلبتك أتؤمن بي وتشهد أن ما جئت به حق. قال الساحر لآتين غدا بسحر لا يغلبه سحر فوالله لئن غلبتني لأومنن بك ولأشهدن أنك حق وفرعون ينظر إليهما قالوا فلهذا قال ما قال (١).

وقوله ﴿لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها﴾ أي تجتمعوا أنتم وهو وتكون لكم دولة وصولة وتخرجوا منها الأكابر والرؤساء وتكون الدولة والتصرف لكم ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ أي ما أصنع بكم ثم فسر هذا الوعيد بقوله ﴿لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ﴾ يعني يقطع يد الرجل اليمنى ورجله اليسرى أو بالعكس ﴿ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ وقال في الآية الأخرى ﴿فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ [طه: ٧١] أي على الجذوع.

قال ابن عباس وكان أول من صلب وأول من قطع الأيدي والأرجل من خلاف فرعون وقول السحرة ﴿إِنّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ﴾ أي قد تحققنا أنا إليه راجعون وعذابه أشد من عذابك ونكاله على ما تدعونا إليه اليوم وما أكرهتنا عليه من السحر أعظم من نكالك فلنصبرن اليوم على عذابك لنخلص عن عذاب الله ولهذا قالوا ﴿رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً﴾ أي عمنا بالصبر على دينك والثبات عليه ﴿وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ﴾ أي متابعين لنبيك موسى وقالوا لفرعون ﴿فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا إِنّا آمَنّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى﴾


(١) انظر تفسير الطبري ٦/ ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>