للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نكارة. وقال مجاهد: كانت مريم تقوم حتى تتورم كعباها والقنوت هو طول الركود في الصلاة، يعني امتثالا لقول الله تعالى: ﴿يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ﴾ قال الحسن: يعني اعبدي لربك، ﴿وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرّاكِعِينَ﴾ أي كوني منهم وقال الأوزاعي: ركدت في محرابها راكعة وساجدة وقائمة، حتى نزل الماء الأصفر في قدميها وأرضاها.

وقد ذكر الحافظ بن عساكر في ترجمتها من طريق محمد بن يونس الكديمي، وفيه مقال (١): حدثنا علي بن بحر بن بري، حدثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، في قوله ﴿يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي﴾ قال: سجدت حتى نزل الماء الأصفر في عينيها.

وذكر ابن أبي الدنيا: حدثنا الحسن بن عبد العزيز، حدثنا ضمرة عن ابن شوذب، قال:

كانت مريم تغتسل في كل ليلة.

ثم قال تعالى لرسوله بعد ما أطلعه على جلية الأمر ﴿ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ﴾ أي نقصه عليك ﴿وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ أي ما كنت عندهم يا محمد فتخبرهم عنهم معاينة عما جرى بل أطلعك الله على ذلك كأنك حاضر وشاهد لما كان من أمرهم حين اقترعوا في شأن مريم أيهم يكفلها، وذلك لرغبتهم في الأجر.

قال ابن جرير: حدثنا القاسم، حدثنا الحسين، حدثني حجاج عن ابن جريج، عن القاسم بن أبي بزة، أنه أخبره عن عكرمة، وأبي بكر عن عكرمة، قال: ثم خرجت بها، يعني أم مريم بمريم، تحملها في خرقها إلى بني الكاهن بن هارون أخي موسى ، قال:

وهم يومئذ يلون في بيت المقدس ما يلي الحجبة من الكعبة، فقالت لهم: دونكم هذه النذيرة، فإني حررتها، وهي أنثى، ولا يدخل الكنيسة حائض، وأنا لا أردها إلى بيتي، فقالوا: هذه ابنة إمامنا، وكان عمران يؤمهم في الصلاة، وصاحب قرباننا، فقال زكريا: ادفعوها لي فإن خالتها تحتي، فقالوا: لا تطيب أنفسنا، هي ابنة إمامنا، فذلك حين اقترعوا عليها بأقلامهم التي يكتبون بها التوراة، فقرعهم (٢) زكريا فكفلها. وقد ذكر عكرمة أيضا والسدي وقتادة والربيع بن أنس وغير واحد، دخل حديث بعضهم في بعض، أنهم ذهبوا إلى نهر الأردن، واقترعوا هنالك على أن يلقوا أقلامهم فأيهم يثبت في جرية الماء فهو كافلها، فألقوا أقلامهم، فاحتملها الماء إلا قلم زكريا فإنه ثبت ويقال إنه ذهب صاعدا يشق جرية الماء، وكان مع ذلك كبيرهم وسيدهم وعالمهم وإمامهم ونبيهم، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر النبيين.


(١) المراد أن الكديمي هذا ضعيف. انظر موسوعة رجال الكتب التسعة ٣/ ٤٩١.
(٢) قرعهم: غلبهم بالقرعة. والأثر المروي عن ابن جرير هنا لم نقع عليه في تفسير الطبري.

<<  <  ج: ص:  >  >>