للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والظفر، وسأحدثكم عن ذلك: أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة» (١). وفي الحديث الذي رواه الدارقطني مرفوعا، وفيه نظر، وروي عن عمر موقوفا وهو أصح «ألا إن الذكاة في الحلق واللبة، ولا تعجلوا الأنفس أن تزهق». وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن من رواية حماد بن سلمة عن أبي العشراء الدارمي عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، أما تكون الذكاة إلا من اللبة والحلق؟ فقال «لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك» (٢)، وهو حديث صحيح، ولكنه محمول على ما لا يقدر على ذبحه في الحلق واللبة (٣).

وقوله: ﴿وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ قال مجاهد وابن جريج: كانت النصب حجارة حول الكعبة، قال ابن جريج: وهي ثلاثمائة وستون نصبا، كانت العرب في جاهليتها يذبحون عندها، وينضحون ما أقبل منها إلى البيت بدماء تلك الذبائح، ويشرحون اللحم ويضعونه على النصب (٤)، وكذا ذكره غير واحد، فنهى الله المؤمنين عن هذا الصنيع، وحرم عليهم أكل هذه الذبائح التي فعلت عند النصب حتى ولو كان يذكر عليها اسم الله في الذبح عند النصب من الشرك الذي حرمه الله ورسوله، وينبغي أن يحمل هذا على هذا، لأنه قد تقدم تحريم ما أهل به لغير الله.

وقوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ﴾ أي حرّم عليكم أيها المؤمنون الاستقسام بالأزلام، واحدها زلم وقد تفتح الزاي، فيقال: زلم، وقد كانت العرب في جاهليتها يتعاطون ذلك، وهي عبارة عن قداح ثلاثة، على أحدها مكتوب: افعل، وعلى الآخر: لا تفعل، والثالث غفل ليس عليه شيء، ومن الناس من قال: مكتوب على الواحد: أمرني ربي، وعلى الآخر: نهاني ربي، والثالث غفل ليس عليه شيء، فإذا أجالها فطلع سهم الأمر فعله، أو النهي تركه، وإن طلع الفارغ أعاد، والاستقسام مأخوذ من طلب القسم من هذه الأزلام، هكذا قرر ذلك أبو جعفر بن جرير، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا الحجاج بن محمد، أخبرنا ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء، عن ابن عباس ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ﴾ قال: والأزلام قداح كانوا يستقسمون بها في الأمور، وكذا روي عن مجاهد وإبراهيم النخعي والحسن البصري ومقاتل بن حيان. وقال ابن عباس: هي قداح كانوا يستقسمون بها الأمور. وذكر محمد بن إسحاق وغيره: إن أعظم أصنام قريش صنم كان يقال له هبل منصوب على بئر داخل الكعبة، فيها توضع الهدايا، وأموال الكعبة فيه، وكان عنده سبعة أزلام مكتوب فيها ما يتحاكمون فيه مما أشكل عليهم، فما خرج لهم منها رجعوا إليه ولم


(١) صحيح البخاري (ذبائح باب ١٥ و ١٨) وصحيح مسلم (أضاحي حديث ٢٠)
(٢) مسند أحمد ٤/ ٣٣٤ وسنن أبي داود (أضاحي باب ١٥)
(٣) قال أبو داود: وهذا لا يصلح إلا في المتردية والمتوحش.
(٤) عند مجاهد وابن جريج انظر تفسير الطبري ٤/ ٤١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>