للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المثلى، وهدت إلى صراط الله المستقيم وشرعه القويم، ونفت عن القلوب رجس الشيطان الرجيم. ولهذا ثبت في الصحيحين (١) عن أبي هريرة أن رسول الله قال: «ما من نبي من الأنبياء إلا قد أعطي من الآيات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» -لفظ مسلم (٢) -وقوله : «وإنما كان الذي أوتيته وحيا» أي الذي اختصصت به من بينهم هذا القرآن المعجز للبشر أن يعارضوه بخلاف غيره من الكتب الإلهية فإنها ليس معجزة عند كثير من العلماء والله أعلم. وله من الآيات الدالة على نبوته وصدقه فيما جاء به ما لا يدخل تحت حصر ولله الحمد والمنة.

وقد قرر بعض المتكلمين الإعجاز بطريق يشمل قول أهل السنة وقول المعتزلة في الصرفة، فقال: إن كان هذا القرآن معجزا في نفسه لا يستطع البشر الإتيان بمثله ولا في قواهم معارضته فقد حصل المدعى وهو المطلوب، وإن كان في إمكانهم معارضته بمثله ولم يفعلوا ذلك مع شدة عداوتهم له كان ذلك دليلا على أنه من عند الله لصرفه إياهم عن معارضته مع قدرتهم على ذلك، وهذه الطريقة وإن لم تكن مرضية لأن القرآن في نفسه معجز لا يستطيع البشر معارضته كما قررنا إلا أنها تصلح على سبيل التنزل والمجادلة والمنافحة عن الحق، وبهذه الطريقة أجاب الرازي في تفسيره عن سؤاله في السور القصار كالعصر وإنا أعطيناك الكوثر.

وقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا النّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ﴾ أما الوقود، بفتح الواو، فهو ما يلقى في النار لإضرامها كالحطب ونحوه، كما قال تعالى: ﴿وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً﴾ [الجن: ١٥] وقال تعالى: ﴿إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ. لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٨ - ٩٩] والمراد بالحجارة هاهنا هي حجارة الكبريت العظيمة السوداء الصلبة المنتنة، وهي أشد الأحجار حرا إذا حميت، أجارنا الله منها. وقال عبد الملك بن ميسرة الزراد عن عبد الرحمن بن سابط عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: ﴿وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجارَةُ﴾ قال: هي حجارة من كبريت، خلقها الله يوم خلق السموات والأرض في السماء الدنيا يعدها للكافرين.

رواه ابن جرير (٣) وهذا لفظه وابن أبي حاتم والحاكم في مستدركه وقال: على شرط الشيخين.

وقال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرّة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة: اتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة، أما الحجارة فهي من كبريت أسود يعذبون به مع النار. وقال مجاهد حجارة من كبريت أنتن من الجيفة. وقال أبو جعفر محمد بن علي: حجارة من كبريت، وقال ابن جريج: حجارة من كبريت أسود في النار، قال:


(١) أخرجه البخاري (فضائل القرآن باب ١؛ اعتصام باب ١) ومسلم (إيمان حديث ٢٣٩)
(٢) بالمقارنة مع لفظ مسلم لاحظنا اختلافا في ترتيب عدد من الألفاظ.
(٣) تفسير الطبري ١/ ٢٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>