للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالملإ من بني إسرائيل إذ قالوا لنبيهم ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنّا هاهُنا قاعِدُونَ﴾ ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فلما سمعها أصحاب رسول الله تتابعوا على ذلك.

وهذا إن كان محفوظا يوم الحديبية فيحتمل أنه كرر هذه المقالة يومئذ كما قاله يوم بدر.

وقوله: ﴿قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ﴾ يعني لما نكل بنو إسرائيل عن القتال غضب عليهم موسى ، وقال داعيا عليهم ﴿رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاّ نَفْسِي وَأَخِي﴾ أي ليس أحد يطيعني منهم فيمتثل أمر الله ويجيب إلى ما دعوت إليه إلا أنا وأخي هارون ﴿فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ﴾ قال العوفي عن ابن عباس: يعني اقض بيني وبينهم، وكذا قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، وكذا قال الضحاك: اقض بيننا وبينهم، وافتح بيننا وبينهم، وقال غيره: افرق افصل بيننا وبينهم، كما قال الشاعر:

[الرجز] يا رب فافرق بينه وبيني … أشد ما فرقت بين اثنين (١)

وقوله تعالى: ﴿فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ الآية، لما دعا عليهم موسى حين نكلوا عن الجهاد حكم الله بتحريم دخولها عليهم مدة أربعين سنة فوقعوا في التيه يسيرون دائما لا يهتدون للخروج منه وفيه كانت أمور عجيبة وخوارق كثيرة من تظليلهم بالغمام وإنزال المن والسلوى عليهم، ومن إخراج الماء الجاري من صخرة صماء تحمل معهم على دابة، فإذا ضربها موسى بعصاه انفجرت من ذلك الحجر اثنتا عشرة عينا تجري لكل شعب عين، وغير ذلك من المعجزات التي أيد الله بها موسى بن عمران. وهناك نزلت التوراة وشرعت لهم الأحكام، وعملت قبة العهد ويقال لها: قبة الزمان، قال يزيد بن هارون عن أصبغ بن زيد، عن القاسم بن أبي أيوب، عن سعيد بن جبير: سألت ابن عباس عن قوله: ﴿فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ الآية قال: فتاهوا في الأرض أربعين سنة يصبحون كل يوم يسيرون ليس لهم قرار، ثم ظلل عليهم الغمام في التيه، وأنزل عليهم المن والسلوى، وهذا قطعة من حديث الفتون، ثم كانت وفاة هارون ، ثم بعده بمدة ثلاث سنين وفاة موسى الكليم ، وأقام لله فيهم يوشع بن نون ، نبيا خليفة عن موسى بن عمران، ومات أكثر بني إسرائيل هناك في تلك المدة، ويقال: إنه لم يبق منهم أحد سوى يوشع وكالب، ومن هاهنا قال بعض المفسرين في قوله ﴿قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ﴾ هذا وقف تام، وقوله ﴿أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾ منصوب بقوله ﴿يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ فلما انقضت المدة، خرج بهم يوشع بن نون ، أو بمن بقي منهم، وبسائر بني إسرائيل من الجيل الثاني، فقصد بهم بيت المقدس فحاصرها، فكان فتحها يوم الجمعة


(١) البيت بلا نسبة في تفسير الطبري ٤/ ٥٢٢ ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١/ ١٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>