للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في هذه الحياة الدنيا مع ما ادخر الله لهم من العذاب العظيم يوم القيامة، وهذا يؤيد قول من قال: إنها نزلت في المشركين فأما أهل الإسلام ففي صحيح مسلم عن عبادة بن الصامت قال: أخذ علينا رسول الله كما أخذ على النساء ألا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا يعضه (١) بعضنا بعضا، فمن وفي منكم فأجره على الله تعالى، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب فهو كفارة له، ومن ستره الله فأمره إلى الله: إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه (٢)، وعن علي قال: قال رسول الله «من أذنب ذنبا في الدنيا فعوقب به، فالله أعدل من أن يثني عقوبته على عبده، ومن أذنب ذنبا في الدنيا فستره الله عليه وعفا عنه، فالله أكرم من أن يعود عليه في شيء قد عفا عنه». ورواه الإمام أحمد (٣) والترمذي وابن ماجة، وقال الترمذي: حسن غريب. وقد سئل الحافظ الدارقطني عن هذا الحديث، فقال: روي مرفوعا وموقوفا، قال ورفعه صحيح.

وقال ابن جرير (٤) في قوله: ﴿ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا﴾ يعني شر وعار ونكال وذلة وعقوبة في عاجل الدنيا قبل الآخرة. ﴿وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ أي إذا لم يتوبوا من فعلهم ذلك حتى هلكوا لهم في الآخرة مع الجزاء الذي جازيتهم به في الدنيا، والعقوبة التي عاقبتهم بها فيها ﴿عَذابٌ عَظِيمٌ﴾، يعني عذاب جهنم، وقوله تعالى: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أما على قول من قال: إنها في أهل الشرك فظاهر، وأما المحاربون المسلمون فإذا تابوا قبل القدرة عليهم، فإنه يسقط عنهم انحتام القتل والصلب وقطع الرجل، وهل يسقط قطع اليد أم لا؟ فيه قولان للعلماء، وظاهر الآية يقتضي سقوط الجميع، وعليه عمل الصحابة، كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو أسامة، عن مجالد، عن الشعبي قال: كان حارثة بن بدر التميمي من أهل البصرة، وكان قد أفسد في الأرض وحارب، فكلم رجالا من قريش منهم الحسن بن علي وابن عباس وعبد الله بن جعفر، فكلموا عليا فيه فلم يؤمنه، فأتى سعيد بن قيس الهمداني فخلفه في داره، ثم أتى عليا، فقال: يا أمير المؤمنين، أرأيت من حارب الله ورسوله، وسعى في الأرض فسادا، فقرأ حتى بلغ ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ﴾ قال: فكتب له أمانا، قال سعيد بن قيس: فإنه حارثة بن بدر، وكذا رواه ابن جرير من غير وجه عن مجالد عن الشعبي به، وزاد فقال حارثة بن بدر: [الطويل] ألا بلغن همدان أما لقيتها … على النأي لا يسلم عدو يعيبها


(١) أي لا يقذفه بالباطل.
(٢) صحيح مسلم (حدود حديث ٤٣)
(٣) مسند أحمد ١/ ٩٩.
(٤) تفسير الطبري ٤/ ٥٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>