للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يخبر تعالى عن اليهود-عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة-بأنهم وصفوا الله ﷿ وتعالى عن قولهم علوا كبيرا بأنه بخيل، كما وصفوه بأنه فقير وهم أغنياء وعبروا عن البخل بأن قالوا ﴿يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ﴾. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عبد الله الطهراني، حدثنا حفص بن عمر العدني، حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة قال: قال ابن عباس ﴿مَغْلُولَةٌ﴾ أي بخيلة، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله ﴿وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ﴾ قال:

لا يعنون بذلك أن يد الله موثقة، ولكن يقولون: بخيل يعني أمسك ما عنده بخلا تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا، وكذا روي عن مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي والضحاك، وقرأ ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً﴾ يعني أنه ينهى عن البخل وعن التبذير، وهو زيادة الإنفاق في غير محله، وعبر عن البخل بقوله ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ﴾ وهذا هو الذي أراد هؤلاء اليهود عليهم لعائن الله، وقد قال عكرمة: إنها نزلت في فنحاص اليهودي، عليه لعنة الله، وقد تقدم أنه الذي قال ﴿إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ﴾ [آل عمران: ١٨١] فضربه أبو بكر الصديق .

وقال محمد بن إسحاق: حدثنا محمد بن أبي محمد عن سعيد أو عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رجل من اليهود يقال له شاس بن قيس إن ربك بخيل لا ينفق، فأنزل الله ﴿وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ﴾ وقد ردّ الله ﷿ عليهم ما قالوه وقابلهم فيما اختلقوه وافتروه وائتفكوه، فقال ﴿غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا﴾ وهكذا وقع لهم، فإن عندهم من البخل والحسد والجبن والذلة أمر عظيم، كما قال تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النّاسَ نَقِيراً أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: ٥٣ - ٥٤]، وقال تعالى: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ [البقرة: ٦١ وآل عمران: ١١٢].

ثم قال تعالى: ﴿بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ﴾ أي بل هو الواسع الفضل، الجزيل العطاء، الذي ما من شيء إلا عنده خزائنه، وهو الذي ما بخلقه من نعمة فمنه وحده لا شريك له، الذي خلق لنا كل شيء مما نحتاج إليه، في ليلنا ونهارنا، وحضرنا وسفرنا، وفي جميع أحوالنا، كما قال ﴿وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفّارٌ﴾ [إبراهيم: ٣٤] والآيات في هذا كثيرة، وقد قال الإمام أحمد بن حنبل (١): حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة قال: قال رسول الله «إن يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء (٢) الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض، فإنه لم يغض ما في يمينه-قال: وعرشه على الماء وفي يده الأخرى


(١) مسند أحمد ٢/ ٣١٣ - ٣١٤.
(٢) السحّاء: الدائمة الصب والعطاء. لا يغيضها: لا ينقصها.

<<  <  ج: ص:  >  >>