للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ يعني من غير كد ولا تعب ولا شقاء ولا عناء. وقال ابن جرير:

قال بعضهم: معناه لكانوا في الخير كما يقول القائل: هو في الخير من قرنه إلى قدمه، ثم رد هذا القول لمخالفته أقوال السلف (١).

وقد ذكر ابن أبي حاتم عند قوله ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾ حديث علقمة عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه أن رسول الله قال «يوشك أن يرفع العلم» فقال زياد بن لبيد: يا رسول الله، وكيف يرفع العلم وقد قرأنا القرآن وعلمناه أبناءنا؟ فقال «ثكلتك أمك يا ابن لبيد إن كنت لأراك من أفقه أهل المدينة، أوليست التوراة.

والإنجيل بأيدي اليهود والنصارى، فما أغنى عنهم حين تركوا أمر الله» ثم قرأ ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾ هكذا أورده ابن أبي حاتم معلقا من أول إسناده مرسلا في آخره.

وقد رواه الإمام أحمد (٢) بن حنبل متصلا موصولا، فقال: حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد، عن زياد بن لبيد أنه قال ذكر النبي شيئا، فقال «وذاك عند ذهاب العلم» قال: قلنا: يا رسول الله، وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن، ونقرئه أبناءنا، وأبناؤنا يقرئونه أبناءهم إلى يوم القيامة؟ فقال «ثكلتك أمك يا ابن أم لبيد، إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة، أوليس هذه اليهود والنصارى يقرءون التوراة والإنجيل ولا ينتفعون مما فيهما بشيء» هكذا رواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع بإسناده نحوه، وهذا إسناد صحيح.

وقوله تعالى: ﴿مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ﴾ كقوله ﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٩] وكقوله من أتباع عيسى ﴿فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ﴾ [الحديد: ٢٧]، فجعل أعلى مقاماتهم الاقتصاد وهو أوسط مقامات هذه الأمة وفوق ذلك رتبة السابقين، كما في قوله ﷿: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها﴾ [فاطر: ٣٢، ٣٣]، والصحيح أن الأقسام الثلاثة من هذه الأمة كلهم يدخلون الجنة، وقد قال أبو بكر بن مردويه: حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا أحمد بن يونس الضبي، حدثنا عاصم بن عدي حدثنا أبو معشر، عن يعقوب بن يزيد بن طلحة، عن زيد بن أسلم، عن أنس بن مالك قال: كنا عند رسول الله ، فقال «تفرقت أمة موسى على إحدى وسبعين ملة:

سبعون منها في النار، وواحدة في الجنة، وتفرقت أمة عيسى على اثنتين وسبعين ملة: واحدة في الجنة، وإحدى وسبعون منها في النار، وتعلو أمتي على الفرقتين جميعا واحدة في الجنة،


(١) تفسير الطبري ٤/ ٦٤٥.
(٢) مسند أحمد ٤/ ١٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>