للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْعَنْكَبُوتِ: ٤٣] وَفِي الْقُرْآنِ أَمْثَالٌ كَثِيرَةٌ.

قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِذَا سَمِعْتُ الْمَثَلَ فِي الْقُرْآنِ فَلَمْ أَفْهَمْهُ بَكَيْتُ عَلَى نَفْسِي لِأَنَّ الله قال:

وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ وقال مجاهد في قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَما فَوْقَها الْأَمْثَالُ صَغِيرُهَا وَكَبِيرُهَا يُؤْمِنُ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَيَهْدِيهِمُ اللَّهُ بِهَا. وَقَالَ قَتَادَةُ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ أَيْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَلَامُ الرَّحْمَنِ وَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ نَحْوُ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ يَعْنِي هَذَا الْمَثَلُ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا

كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الْمُدَّثِّرِ وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً. وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ مَاذَا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا. كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [الْمُدَّثِّرِ: ٣١] وَكَذَلِكَ قَالَ هَاهُنَا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ قَالَ السُّدِّيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ نَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ: (يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا) يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ (وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا) يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ، فيزيد هؤلاء ضلالة إلى ضلالتهم لِتَكْذِيبِهِمْ بِمَا قَدْ عَلِمُوهُ حَقًّا يَقِينًا مِنَ المثل الذي ضربه الله بما ضرب لهم، وأنه لما ضرب لَهُ مُوَافِقٌ، فَذَلِكَ إِضْلَالُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِهِ، (وَيَهْدِي بِهِ) يَعْنِي بِالْمَثَلِ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ فَيَزِيدُهُمْ هُدًى إِلَى هُدَاهُمْ وَإِيمَانًا إِلَى إِيمَانِهِمْ لِتَصْدِيقِهِمْ بِمَا قَدْ عَلِمُوهُ حَقًّا يقينا أنه موافق لما ضَرَبَهُ اللَّهُ لَهُ مَثَلًا وَإِقْرَارِهِمْ بِهِ وَذَلِكَ هِدَايَةٌ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ بِهِ وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ قَالَ: هُمُ الْمُنَافِقُونَ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ قَالَ: هُمْ أَهْلُ النِّفَاقِ، وَكَذَا قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ قال: يَقُولُ: يَعْرِفُهُ الْكَافِرُونَ فَيَكْفُرُونَ بِهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ فَسَقُوا فَأَضَلَّهُمُ اللَّهُ عَلَى فِسْقِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حدثنا أبي عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي سِنَانٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً يَعْنِي الْخَوَارِجَ. وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبِي فَقُلْتُ:

قَوْلُهُ تَعَالَى الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ: فَقَالَ: هم الحرورية «١» ، وهذا الإسناد وإن صَحَّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ تَفْسِيرٌ عَلَى الْمَعْنَى لَا أَنَّ الْآيَةَ أُرِيدَ مِنْهَا التَّنْصِيصُ عَلَى الْخَوَارِجِ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ بِالنَّهْرَوَانِ، فَإِنَّ أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا حَالَ نُزُولِ الْآيَةِ وَإِنَّمَا هُمْ دَاخِلُونَ بِوَصْفِهِمْ فِيهَا مَعَ مَنْ دَخَلَ لِأَنَّهُمْ سموا خوارج لخروجهم عن طاعة


(١) الحرورية: لقب أطلق على الخوارج، نسبة إلى حروراء، قرية قريبة من الكوفة لجئوا إليها أول ما انفضوا عن علي بن أبي طالب. ويسمون أيضا المحكمة، من أسماء الأضداد، لأنهم رفضوا التحكيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>