للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، حدثنا جعفر هو ابن برقان عن ميمون بن مهران أن أعرابيا أتى أبا بكر، فقال: قتلت صيدا وأنا محرم، فما ترى علي من الجزاء؟ فقال أبو بكر لأبي بن كعب وهو جالس عنده: ما ترى فيما قال؟ فقال الأعرابي: أتيتك وأنت خليفة رسول الله أسألك، فإذا أنت تسأل غيرك؟ فقال أبو بكر:

وما تنكر؟ يقول الله تعالى: ﴿فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ فشاورت صاحبي حتى إذا اتفقنا على أمر أمرناك به.

وهذا إسناد جيد، لكنه منقطع بين ميمون وبين الصديق، ومثله يحتمل هاهنا، فبين له الصديق الحكم برفق وتؤدة لما رآه أعرابيا جاهلا، وإنما دواء الجهل التعليم.

فأما إذا كان المعترض منسوبا إلى العلم، فقد قال ابن جرير (١): حدثنا هناد وأبو هشام الرفاعي، قالا: حدثنا وكيع بن الجراح عن المسعودي، عن عبد الملك بن عمير، عن قبيصة بن جابر، قال: خرجنا حجاجا، فكنا إذا صلينا الغداة اقتدنا رواحلنا، فنتماشى نتحدث. قال: فبينما نحن ذات غداة إذ سنح لنا ظبي أو برح (٢)، فرماه رجل كان معنا بحجر فما أخطأ خشّاءه (٣)، فركب ردعه (٤) ميتا. قال: فعظّمنا عليه، فلما قدمنا مكة، خرجت معه حتى أتينا عمر بن الخطاب ، فقص عليه القصة فقال: وإذا إلى جنبه رجل كأن وجهه قلب فضة، يعني عبد الرحمن بن عوف، فالتفت عمر إلى صاحبه فكلمه، قال: ثم أقبل على الرجل فقال: أعمدا قتلته أم خطأ؟ فقال الرجل: لقد تعمدت رميه وما أردت قتله، فقال عمر: ما أراك إلا قد أشركت بين العمد والخطأ، اعمد إلى شاة فاذبحها وتصدق بلحمها، واستبق إهابها، قال: فقمنا من عنده، فقلت لصاحبي: أيها الرجل، عظم شعائر الله، فما دري أمير المؤمنين ما يفتيك حتى سأل صاحبه، اعمد إلى ناقتك فانحرها. فلعل ذلك يعني أن يجزئ عنك، قال قبيصة: ولا أذكر الآية من سورة المائدة ﴿يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ فبلغ عمر مقالتي، فلم يفجأنا منه إلا ومعه الدرة، قال: فعلا صاحبي ضربا بالدرة، أقتلت في الحرم وسفهت في الحكم. قال: ثم أقبل علي، فقلت: يا أمير المؤمنين، لا أحل لك اليوم شيئا يحرم عليك مني، فقال: يا قبيصة بن جابر، إني أراك شاب السن، فسيح الصدر، بين اللسان، وإن الشاب يكون فيه تسعة أخلاق حسنة وخلق سيئ، فيفسد الخلق السيئ الأخلاق الحسنة، فإياك وعثرات الشباب.


(١) تفسير الطبري ٥/ ٤٩.
(٢) سنح الظبي: أتاك عن يسارك فهو سانح. وبرح: أتاك عن يمينك فهو بارح. والعرب تتشاءم بالبارح وتتفاءل بالسانح.
(٣) الخشّاء: العظم الناتئ خلف الأذن، يكون عاريا خاليا من الشعر.
(٤) يقال للقتيل: ركب ردعه، إذا خر لوجهه على دمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>