للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول تعالى لرسوله ﴿قُلْ﴾ يا محمد ﴿لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ﴾ أي يا أيها الإنسان ﴿كَثْرَةُ الْخَبِيثِ﴾ يعني أن القليل الحلال النافع خير من الكثير الحرام الضار، كما جاء في الحديث «ما قل وكفى خير مما كثر وألهى» وقال أبو القاسم البغوي في معجمه:

حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا الحوطي، حدثنا محمد بن شعيب، حدثنا معان بن رفاعة عن أبي عبد الملك علي بن يزيد عن القاسم، عن أبي أمامة أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري قال:

يا رسول الله، ادع الله أن يرزقني مالا، فقال النبي «قليل تؤدي شكره، خير من كثير لا تطيقه» ﴿فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ﴾ أي يا ذوي العقول الصحيحة المستقيمة، وتجنبوا الحرام ودعوه واقنعوا بالحلال واكتفوا به، ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، أي في الدنيا والآخرة.

ثم قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ هذا تأديب من الله تعالى لعباده المؤمنين، ونهي لهم عن أن يسألوا عن أشياء مما لا فائدة لهم في السؤال والتنقيب عنها، لأنها إن أظهرت لهم تلك الأمور ربما ساءتهم وشق عليهم سماعها، كما جاء في الحديث أن رسول الله قال «لا يبلغني أحد عن أحد شيئا، إني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر» (١).

وقال البخاري (٢): حدثنا منذر بن الوليد بن عبد الرحمن الجارودي، حدثنا أبي، حدثنا شعبة عن موسى بن أنس، عن أنس بن مالك قال: خطب رسول الله خطبة ما سمعت مثلها قط، وقال فيها «لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا». قال: فغطى أصحاب رسول الله وجوههم لهم حنين (٣)، فقال رجل: من أبي؟ قال «فلان» فنزلت هذه الآية ﴿لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ﴾ رواه النضر وروح بن عبادة عن شعبة، وقد رواه البخاري في غير هذا الموضع، ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي من طرق عن شعبة بن الحجاج به.

وقال ابن جرير (٤): حدثنا بشر، حدثنا يزيد، حدثنا سعيد عن قتادة في قوله ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ الآية، قال: فحدثنا أن أنس بن مالك حدثه أن رسول الله سألوه حتى أحفوه بالمسألة، فخرج عليهم ذات يوم فصعد المنبر، فقال «لا تسألوني اليوم عن شيء إلا بينته لكم» فأشفق أصحاب رسول الله أن يكون بين يدي أمر قد حضر، فجعلت لا ألتفت يمينا ولا شمالا إلا وجدت كلا لافا رأسه في ثوبه يبكي، فأنشأ رجل كان يلاحي فيدعى إلى غير أبيه، فقال: يا نبي الله، من أبي؟ قال «أبوك حذافة». قال:


(١) مسند أحمد ١/ ٣٩٦ وسنن أبي داود (أدب باب ٢٨)
(٢) صحيح البخاري (تفسير سورة المائدة باب ١١)
(٣) في البخاري: «خنين» بالخاء المعجمة. والخنين: نوع من البكاء دون الانتحاب. وهو خروج الصوت من الأنف.
(٤) تفسير الطبري ٥/ ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>