للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السدي، عن الوليد بن أبي هاشم به، ثم قال الترمذي: غريب من هذا الوجه.

وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ﴾ أي وإن تسألوا عن هذه الأشياء التي نهيتم عن السؤال عنها حين ينزل الوحي على رسول الله تبين لكم ﴿وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ﴾، ثم قال ﴿عَفَا اللهُ عَنْها﴾ أي عما كان منكم قبل ذلك ﴿وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾. وقيل:

المراد بقوله ﴿وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ﴾ أي لا تسألوا عن أشياء تستأنفون السؤال عنها، فلعله قد ينزل بسبب سؤالكم تشديد أو تضييق، وقد ورد في الحديث «أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم، فحرم من أجل مسألته» ولكن إذا نزل القرآن بها مجملة فسألتم عن بيانها، تبيت لكم حينئذ لاحتياجكم إليها، ﴿عَفَا اللهُ عَنْها﴾ أي ما لم يذكره في كتابه فهو مما عفا عنه، فاسكتوا أنتم عنها كما سكت عنها، وفي الصحيح عن رسول الله أنه قال «ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم» (١) وفي الحديث الصحيح أيضا «إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها».

ثم قال تعالى: ﴿قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ﴾ أي قد سأل هذه المسائل المنهي عنها قوم من قبلكم فأجيبوا عنها، ثم لم يؤمنوا بها، فأصبحوا بها كافرين أي بسببها، أي بيّنت لهم فلم ينتفعوا بها لأنهم لم يسألوا على وجه الاسترشاد بل على وجه الاستهزاء والعناد.

وقال العوفي: عن ابن عباس في الآية: أن رسول الله أذن في الناس فقال «يا قوم كتب عليكم الحج» فقام رجل من بني أسد فقال: يا رسول الله، أفي كل عام؟ فأغضب رسول الله غضبا شديدا، فقال «والذي نفسي بيده، لو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت ما استطعتم، وإذا لكفرتم، فاتركوني ما تركتكم، وإذا أمرتكم بشيء فافعلوا، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه» فأنزل هذه الآية، نهاهم أن يسألوا عن مثل الذي سألت عنه النصارى من المائدة، فأصبحوا بها كافرين، فنهى الله عن ذلك وقال: لا تسألوا عن أشياء إن نزل القرآن فيها بتغليظ ساءكم ذلك، ولكن انتظروا، فإذا نزل القرآن فإنكم لا تسألون عن شيء إلا وجدتم بيانه، رواه ابن جرير (٢).

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ﴾ قال: لما نزلت آية الحج، نادى النبي في الناس فقال «يا أيها الناس إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا» فقالوا: يا رسول الله، أعاما


(١) مسند أحمد ٢/ ٢٤٧.
(٢) تفسير الطبري ٥/ ٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>