للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْفَرَقُ ثَلَاثَةُ آصُعٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَكَانِ هَذَا الإطعام، فقال الشافعي: مكانه الْحَرَمُ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ. وَقَالَ مَالِكٌ يُطْعَمُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَ فِيهِ الصَّيْدَ أَوْ أَقْرَبِ الْأَمَاكِنِ إِلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ شَاءَ أَطْعَمَ فِي الْحَرَمِ، وَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَ فِي غَيْرِهِ.

ذِكْرُ أَقْوَالِ السَّلَفِ فِي هَذَا الْمَقَامِ

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في قوله اللَّهُ تَعَالَى: فَجَزاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً قَالَ: إِذَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ حُكِمَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ مِنَ النَّعَمِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ، نَظَرَ كَمْ ثَمَنُهُ، ثُمَّ قُوِّمَ ثمنه طعاما، قال الله تعالى: أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً، قال: إنما أريد بالطعام والصيام، أنه إذا وُجِدَ الطَّعَامُ وُجِدَ جَزَاؤُهُ، وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ «١» . وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً، فإذا قَتَلَ الْمُحْرِمُ شَيْئًا مِنَ الصَّيْدِ حُكِمَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَإِنْ قَتَلَ ظَبْيًا أَوْ نَحْوَهُ فَعَلَيْهِ شَاةٌ تُذْبَحُ بِمَكَّةَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَإِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أيام، فإن قتل أيلا أَوْ نَحْوَهُ، فَعَلَيْهِ بَقَرَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَطْعَمَ عِشْرِينَ مِسْكِينًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ عِشْرِينَ يَوْمًا، وَإِنَّ قَتَلَ نَعَامَةً أَوْ حِمَارَ وَحْشٍ أَوْ نَحْوَهُ، فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ مِنَ الْإِبِلِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَطْعَمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ، وَزَادَ: الطعام مدّ مدّ يشبعهم «٢» ، وَقَالَ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً قَالُوا إِنَّمَا الطَّعَامُ لِمَنْ لَا يَبْلُغُ الْهَدْيَ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَكَذَا رَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَأَسْبَاطٍ عَنِ السُّدِّيِّ أَنَّهَا عَلَى التَّرْتِيبِ. وَقَالَ عَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ فِي رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ وَإِبْرَاهِيمَ النخعي: هي على الخيار، وهي رِوَايَةُ اللَّيْثِ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، واختار ذلك ابن جرير رحمه الله.

وَقَوْلُهُ لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ أَيْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ لِيَذُوقَ عُقُوبَةَ فِعْلِهِ الَّذِي ارْتَكَبَ فِيهِ الْمُخَالَفَةَ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ أَيْ فِي زَمَانِ الْجَاهِلِيَّةِ لِمَنْ أَحْسَنَ فِي الْإِسْلَامِ وَاتَّبَعَ شَرْعَ اللَّهِ، وَلَمْ يَرْتَكِبِ الْمَعْصِيَةَ، ثُمَّ قَالَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ أَيْ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ تَحْرِيمِهِ فِي الْإِسْلَامِ وَبُلُوغِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ إِلَيْهِ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: مَا عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ؟ قَالَ: عَمَّا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. قَالَ: قُلْتُ: وَمَا وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ؟ قَالَ: وَمَنْ عَادَ فِي الْإِسْلَامِ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ مع ذلك الكفارة. قال:


(١) تفسير الطبري ٥/ ٥٨.
(٢) تفسير الطبري ٥/ ٥٨. وفيه «شبعهم» في موضع «يشبعهم» .

<<  <  ج: ص:  >  >>