للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَحْلِفُونَ لَهُ﴾ [المجادلة: ١٨] الآية، وهكذا قال في حق هؤلاء ﴿اُنْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ كقوله ﴿ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قالُوا ضَلُّوا عَنّا﴾ [غافر: ٧٣ - ٧٤] الآية.

وقوله ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها﴾ أي يجيئون ليستمعوا قراءتك، ولا تجزي عنهم شيئا لأن الله جعل على قلوبهم أكنة أي أغطية، لئلا يفقهوا القرآن ﴿وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً﴾ أي صمما عن السماع النافع لهم، كما قال تعالى: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاّ دُعاءً وَنِداءً﴾ [البقرة: ١٧١] الآية، وقوله ﴿وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها﴾ أي مهما رأوا من الآيات والدلالات والحجج البينات والبراهين، لا يؤمنوا بها فلا فهم عندهم ولا إنصاف، كقوله تعالى: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ﴾ [الأنفال: ٢٣] الآية.

وقوله تعالى: ﴿حَتّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ﴾ أي يحاجونك ويناظرونك، في الحق بالباطل، ﴿يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ أي ما هذا الذي جئت به، إلا مأخوذا من كتب الأوائل، ومنقول عنهم.

وقوله ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾ في معنى ينهون عنه قولان، [أحدهما]: أن المراد أنهم ينهون الناس عن اتباع الحق وتصديق الرسول والانقياد للقرآن، ﴿وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾ أي ويبعدونهم عنه، فيجمعون بين الفعلين القبيحين، لا ينتفعون ولا يدعون أحدا ينتفع، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ يردون الناس عن محمد ، أن يؤمنوا به. وقال محمد ابن الحنفية: كان كفار قريش لا يأتون النبي وينهون عنه، وكذا قال قتادة ومجاهد والضحاك وغير واحد، وهذا القول أظهر، والله أعلم، وهو اختيار ابن جرير [والقول الثاني] رواه سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت، عمن سمع ابن عباس يقول في قوله ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ قال: نزلت في أبي طالب، كان ينهى الناس عن النبي أن يؤذى، وكذا قال القاسم بن مخيمرة، وحبيب بن أبي ثابت، وعطاء بن دينار، وغيره، أنها نزلت في أبي طالب وقال سعيد بن أبي هلال: نزلت في عمومة النبي وكانوا عشرة، فكانوا أشد الناس معه في العلانية، وأشد الناس عليه في السر، رواه ابن أبي حاتم، وقال محمد بن كعب القرظي ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ أي ينهون الناس عن قتله، وقوله ﴿وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾ أي يتباعدون منه ﴿وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ﴾ أي وما يهلكون بهذا الصنيع، ولا يعود وباله إلا عليهم، وهم لا يشعرون.

<<  <  ج: ص:  >  >>