للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخيك محمدا يطرد عنه موالينا وحلفاءنا، فإنما هم عبيدنا وعتقاؤنا (١)، كان أعظم في صدورنا، وأطوع له عندنا، وأدنى لاتباعنا إياه، وتصديقنا له، قال: فأتى أبو طالب النبي فحدثه بذلك، فقال عمر بن الخطاب : لو فعلت ذلك حتى تنظر ما الذي يريدون، وإلى ما يصيرون من قولهم، فأنزل الله ﷿ هذه الآية ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ﴾ إلى قوله ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشّاكِرِينَ﴾ قال: وكانوا بلالا وعمار بن ياسر وسالما مولى أبي حذيفة وصبيحا مولى أسيد، ومن الحلفاء ابن مسعود والمقداد بن عمرو ومسعود بن القارئ، وواقد بن عبد الله الحنظلي وعمرو بن عبد عمرو، وذو الشمالين، ومرثد بن أبي مرثد، وأبو مرثد الغنوي حليف حمزة بن عبد المطلب، وأشباههم من الحلفاء، فنزلت في أئمة الكفر من قريش والموالي والحلفاء، ﴿وَكَذلِكَ فَتَنّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا﴾ الآية، فلما نزلت، أقبل عمر ، فأتى النبي فاعتذر من مقالته، فأنزل الله ﷿ ﴿وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا﴾ الآية.

وقوله ﴿وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ﴾ أي فأكرمهم بردّ السلام عليهم، وبشرهم برحمة الله الواسعة الشاملة لهم، ولهذا قال ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ أي أوجبها على نفسه الكريمة، تفضلا منه وإحسانا وامتنانا، ﴿أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ﴾ قال بعض السلف: كل من عصى الله فهو جاهل، وقال معتمر بن سليمان؛ عن الحكم بن أبان عن عكرمة، في قوله ﴿مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ﴾ قال: الدنيا كلها جهالة، رواه ابن أبي حاتم ﴿ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ﴾ أي رجع عما كان عليه من المعاصي، وأقلع وعزم على أن لا يعود، وأصلح العمل في المستقبل، ﴿فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

قال الإمام أحمد (٢): حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام بن منبه، قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة، قال: قال رسول الله «لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي».

أخرجاه في الصحيحين (٣)، وهكذا رواه الأعمش عن أبي صالح، عن أبي هريرة، ورواه موسى عن عقبة: عن الأعرج، عن أبي هريرة، وكذا رواه الليث وغيره، عن محمد بن عجلان، عن أبيه عن أبي هريرة، عن النبي بذلك.

وقد روى ابن مردويه من طريق الحكم بن أبان: عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله «إذا فرغ الله من القضاء بين الخلق، أخرج كتابا من تحت العرش، إن رحمتي


(١) في الطبري «وعسفاؤنا»: جمع عسيف، وهو العبد والأجير.
(٢) مسند أحمد ٢/ ٣١٣.
(٣) صحيح البخاري (توحيد باب ١٥ وبدء الخلق باب ١) وصحيح مسلم (توبة حديث ١٤ - ١٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>