للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه طرق لهذا الحديث، ومجموعها يفيد قوته وصحته، والله أعلم.

قال ابن جرير (١): حدثنا ابن وكيع، حدثنا أبو نعيم، عن شريك، عن سعيد بن مسروق، عن عكرمة ﴿شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ﴾ قال: ليس من الإنس شياطين، ولكن شياطين الجن يوحون إلى شياطين الإنس، وشياطين الإنس يوحون إلى شياطين الجن، قال: وحدثنا الحارث، حدثنا عبد العزيز، حدثنا إسرائيل، عن السدي، عن عكرمة، في قوله ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً﴾ قال: للإنسي شيطان، وللجني شيطان، فيلقى شيطان الإنس شيطان الجن، فيوحي بعضهم إلى بعض، زخرف القول غرورا، وقال أسباط عن السدي عن عكرمة في قوله ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ﴾: أما شياطين الإنس، فالشياطين التي تضل الإنس، وشياطين الجن التي تضل الجن، يلتقيان، فيقول كل واحد منهما لصاحبه: إني أضللت صاحبي بكذا وكذا، فأضل أنت صاحبك بكذا وكذا، فيعلم بعضهم بعضا.

ففهم ابن جرير من هذا، أن المراد بشياطين الإنس، عند عكرمة والسدي، الشياطين من الجن الذين يضلون الناس، لا أن المراد منه شياطين الإنس منهم، ولا شك أن هذا ظاهر من كلام عكرمة، وأما كلام السدي فليس مثله في هذا المعنى، وهو محتمل، وقد روى ابن أبي حاتم نحو هذا عن ابن عباس، من رواية الضحاك عنه، قال: إن للجن شياطين يضلونهم، مثل شياطين الإنس يضلونهم، قال: فيلتقي شياطين الإنس وشياطين الجن، فيقول هذا لهذا أضلله بكذا، فهو قوله ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً﴾ وعلى كل حال، فالصحيح ما تقدم من حديث أبي ذر، إن للإنس شياطين منهم، وشيطان كل شيء ما رده، ولهذا جاء في صحيح مسلم عن أبي ذر، أن رسول الله قال «الكلب الأسود شيطان» (٢) ومعناه والله أعلم -شيطان في الكلاب.

وقال ابن جريج: قال مجاهد: في تفسير هذه الآية، كفار الجن شياطين، يوحون إلى شياطين الإنس، كفار الإنس، زخرف القول غرورا.

وروى ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: قدمت على المختار فأكرمني وأنزلني، حتى كاد يتعاهد مبيتي بالليل، قال: فقال لي: اخرج إلى الناس فحدثهم، قال: فخرجت، فجاء رجل فقال: ما تقول في الوحي، فقلت: الوحي وحيان، قال الله تعالى: ﴿بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ﴾ وقال تعالى: ﴿شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً﴾ قال فهمّوا بي أن يأخذوني، فقلت لهم: ما لكم ذاك، إني مفتيكم وضيفكم فتركوني وإنما عرض عكرمة بالمختار، وهو ابن أبي عبيد قبحه الله، وكان يزعم أنه يأتيه الوحي،


(١) تفسير الطبري ٥/ ٣١٤.
(٢) صحيح مسلم (صلاة حديث ٢٦٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>