للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثله ثم أشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة ثم أعود الثالثة ثم أعود الرابعة فأقول ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود» هكذا ساق البخاري (١) هذا الحديث هاهنا، وقد رواه مسلم والنسائي من حديث هشام وهو ابن أبي عبد الله الدستوائي عن قتادة به، وأخرجه مسلم (٢) والنسائي وابن ماجة من حديث سعيد وهو ابن أبي عروبة عن قتادة، ووجه إيراده هاهنا، والمقصود منه قوله «فيأتون آدم فيقولون أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء». فدل هذا على أنه علمه أسماء جميع المخلوقات، ولهذا قال ﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ﴾ يعني المسميات كما قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة، قال: ثم عرض تلك الأسماء على الملائكة ﴿فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾.

وقال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها﴾ ثم عرض الخلق على الملائكة. وقال ابن جريج عن مجاهد ﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ﴾: عرض أصحاب الأسماء على الملائكة، وقال ابن جرير:

حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثني الحجاج عن جرير بن حازم ومبارك بن فضالة عن الحسن وأبي بكر عن الحسن وقتادة قالا: علمه اسم كل شيء، وجعل يسمي كل شيء باسمه وعرضت عليه أمة أمة (٣). وبهذا الإسناد عن الحسن وقتادة في قوله تعالى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ إني لم أخلق خلقا إلا كنتم أعلم منه فأخبروني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين. وقال الضحاك عن ابن عباس ﴿إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ إن كنتم تعلمون أني لم أجعل في الأرض خليفة. وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة ﴿إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء. وقال ابن جرير وأولى الأقوال في ذلك تأويل ابن عباس ومن قال بقوله، ومعنى ذلك: فقال أنبئوني بأسماء من عرضته عليكم أيها الملائكة القائلون أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء من غيرنا أم منا فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ إن كنتم صادقين في قيلكم إني إن جعلت خليفتي في الأرض من غيركم عصاني ذريته وأفسدوا فيها وسفكوا الدماء وإن جعلتكم فيها أطعتموني واتبعتم أمري بالتعظيم لي والتقديس، فإذا كنتم لا تعلمون أسماء هؤلاء الذين عرضت عليكم وأنتم [من خلقي، وهم مخلوقون موجودون ترونهم وتعاينونهم، وعلمه غيركم بتعليمي إياه] (٤) فأنتم بما هو غير موجود من الأمور الكائنة التي لم توجد أحرى أن تكونوا غير عالمين.


(١) صحيح البخاري (تفسير سورة ٢ باب ١)
(٢) صحيح مسلم (إيمان حديث ٣٢٢ - ٣٢٤). وأحاديث مسلم الثلاثة المذكورة هي عن قتادة عن أنس بن مالك مرفوعة.
(٣) الطبري ١/ ٢٥٥.
(٤) بين معقوفين من الطبري. ومكانه في الأصل: «وأنتم تشاهدونهم».

<<  <  ج: ص:  >  >>