للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكر لم يذكر إلا اسم الله» وهذا مرسل، يعضد بما رواه الدارقطني عن ابن عباس أنه قال: «إذا ذبح المسلم ولم يذكر اسم الله فليأكل، فإن المسلم فيه اسم من أسماء الله» واحتج البيهقي أيضا بحديث عائشة المتقدم، أن ناسا قالوا: يا رسول الله، إن قوما حديثي عهد بجاهلية، يأتوننا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال «سموا أنتم وكلوا» قال: فلو كان وجود التسمية شرطا، لم يرخص لهم إلا مع تحققها، والله أعلم.

المذهب الثالث في المسألة: إن ترك البسملة على الذبيحة نسيانا لم يضر، وإن تركها عمدا لم تحل، هذا هو المشهور من مذهب الإمام مالك وأحمد بن حنبل، وبه يقول أبو حنيفة وأصحابه، وإسحاق بن راهويه: وهو محكي عن علي، وابن عباس، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وطاوس، والحسن البصري، وأبي مالك، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وجعفر بن محمد، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، ونقل الإمام أبو الحسن المرغيناني، في كتابه «الهداية» الإجماع قبل الشافعي على تحريم متروك التسمية عمدا، فلهذا قال أبو يوسف والمشايخ: لو حكم حاكم بجواز بيعه، لم ينفذ لمخالفة الإجماع، وهذا الذي قاله غريب جدا، وقد تقدم نقل الخلاف عمن قبل الشافعي، والله أعلم.

وقال الإمام أبو جعفر بن جرير (١) : من حرم ذبيحة الناس فقد خرج من قول جميع الحجة، وخالف الخير الثابت عن رسول الله في ذلك، يعني ما رواه الحافظ أبو بكر البيهقي، أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا أبو أمية الطرسوسي، حدثنا محمد بن يزيد، حدثنا معقل بن عبيد الله، عن عمرو بن دينار عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي ، قال: «المسلم يكفيه اسمه إن نسي أن يسمي حين يذبح، فليذكر اسم الله وليأكله».

وهذا الحديث رفعه خطأ، أخطأ فيه معقل بن عبيد الله الجزيري، فإنه وإن كان من رجال مسلم، إلا أن سعيد بن منصور، وعبد الله بن الزبير الحميدي، روياه: عن سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن أبي الشعثاء، عن عكرمة، عن ابن عباس، من قوله فزادا في إسناده أبا الشعثاء ووثقاه، وهذا أصح، نص عليه البيهقي وغيره من الحفاظ، ثم نقل ابن جرير وغيره عن الشعبي، ومحمد بن سيرين، أنهما كرها متروك التسمية نسيانا، والسلف يطلقون الكراهة على التحريم كثيرا، والله أعلم، إلا أن من قاعدة ابن جرير أنه لا يعتبر قول الواحد ولا الاثنين مخالفا لقول الجمهور، فيعده إجماعا، فليعلم هذا، والله الموفق.

قال ابن جرير (٢): حدثنا ابن وكيع، حدثنا أبو أسامة، عن جهير بن يزيد، قال: سئل


(١) تفسير الطبري ٥/ ٣٣٠.
(٢) تفسير الطبري ٥/ ٣٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>