للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشياطين من فارس، ليوحون إلى أوليائهم من قريش.

وقال أبو داود (١): حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا إسرائيل، حدثنا سماك عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله ﴿وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ﴾ يقولون: ما ذبح الله فلا تأكلوه، وما ذبحتم أنتم فكلوه، فأنزل الله: ﴿وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ﴾ ورواه ابن ماجة وابن أبي حاتم، عن عمرو بن عبد الله، عن وكيع، عن إسرائيل به، وهذا إسناد صحيح، ورواه ابن جرير، من طرق متعددة، عن ابن عباس، وليس فيه ذكر اليهود، فهذا هو المحفوظ، لأن الآية مكية، واليهود لا يحبون الميتة.

وقال ابن جرير (٢): حدثنا ابن وكيع، حدثنا جرير، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ﴿وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ﴾ إلى قوله ﴿لِيُجادِلُوكُمْ﴾ قال: يوحي الشياطين إلى أوليائهم تأكلون مما قتلتم، ولا تأكلون مما قتل الله؟ وفي بعض ألفاظه، عن ابن عباس، أن الذي قتلتم ذكر اسم الله عليه، وأن الذي قد مات، لم يذكر اسم الله عليه.

وقال ابن جريج (٣): قال عمرو بن دينار عن عكرمة إن مشركي قريش كاتبوا فارس على الروم، وكاتبتهم فارس، فكتبت فارس إليهم: إن محمدا وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله، فما ذبح الله بسكين من ذهب فلا يأكلونه وما ذبحوه هم يأكلونه، فكتب بذلك المشركون إلى أصحاب رسول الله ، فوقع في أنفس ناس من المسلمين من ذلك شيء، فأنزل الله ﴿وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ ونزلت ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً﴾.

وقال السدي: في تفسير هذه الآية: إن المشركين قالوا للمسلمين: كيف تزعمون أنكم تتبعون مرضاة الله، فما قتل الله فلا تأكلونه، وما ذبحتم أنتم تأكلونه؟ فقال الله تعالى: ﴿إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ﴾ فأكلتم الميتة ﴿إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ (٤) وهكذا قاله مجاهد، والضحاك، وغير واحد من علماء السلف.

وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ أي حيث عدلتم، عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره، فقدمتم عليه غيره، فهذا هو الشرك، كقوله تعالى: ﴿اِتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ﴾ [التوبة: ٣١] الآية، وقد روى الترمذي: في تفسيرها عن عدي بن حاتم، أنه قال: يا رسول الله ما عبدوهم، فقال «بلى إنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال


(١) سنن أبي داود (أضاحي باب ١٢)
(٢) تفسير الطبري ٥/ ٣٢٨.
(٣) الأثر في تفسير الطبري ٥/ ٣٢٦.
(٤) تفسير الطبري ٥/ ٣٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>