للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال فلما فعل إبليس ذلك اغتر في نفسه، فقال: قد صنعت شيئا لم يصنعه أحد، قال: فاطلع الله على ذلك من قلبه ولم تطلع عليه الملائكة الذين كانوا معه فقال الله للملائكة الذين كانوا معه: ﴿إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾.

فقالت الملائكة أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء كما أفسدت الجن وسفكت الدماء، وإنما بعثتنا عليهم لذلك؟ فقال الله تعالى. ﴿إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ يقول: إني اطلعت من قلب إبليس على ما لم تطلعوا عليه، من كبره واغتراره، قال: ثم أمر بتربة آدم فرفعت، فخلق الله آدم من طين لازب، واللازب اللازج الصلب من حمأ مسنون منتن، وإنما كان حمأ مسنونا بعد التراب، فخلق منه آدم بيده، قال: فمكث أربعين ليلة جسدا ملقى، وكان إبليس يأتيه فيضربه برجله فيصلصل [أي] فيصوت، فهو قول الله تعالى ﴿مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخّارِ﴾ يقول كالشيء المنفرج الذي ليس بمصمت، قال: ثم يدخل في فيه ويخرج من دبره، ويخرج من فيه، ثم يقول: لست شيئا للصلصلة ولشيء ما خلقت، ولئن سلطت عليك لأهلكنك، ولئن سلطت عليّ لأعصينك، قال: فلما نفخ الله فيه روحه أتت النفخة من قبل رأسه فجعل لا يجري شيء منها في جسده إلا صار لحما ودما، فلما انتهت النفخة إلى سرته نظر إلى جسده فأعجبه ما رأى من جسده فذهب لينهض فلم يقدر، فهو قول الله تعالى (وخلق الإنسان عجولا) قال: ضجرا لا صبر له على سراء ولا ضراء قال: فلما تمت النفخة في جسده عطس فقال ﴿الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ بإلهام الله، فقال الله له «يرحمك الله يا آدم» قال: ثم قال تعالى للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة دون الملائكة الذين في السموات: اسجدوا لآدم فسجدوا كلهم إلا إبليس أبى واستكبر لما كان حدث نفسه من الكبر والاغترار، فقال: لا أسجد له وأنا خير منه وأكبر سنا وأقوى خلقا، خلقتني من نار وخلقته من طين، يقول: إن النار أقوى من الطين، قال: فلما أبى إبليس أن يسجد أبلسه الله، أي آيسه من الخير كله وجعله شيطانا رجيما عقوبة لمعصيته، ثم علم آدم الأسماء كلها وهي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس: إنسان ودابة وأرض وسهل وبحر وجبل وحمار وأشباه ذلك من الأمم وغيرها. ثم عرض هذه الأسماء على أولئك الملائكة يعني الملائكة الذين كانوا مع إبليس الذين خلقوا من نار السموم، وقال لهم ﴿أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ﴾ أي يقول

<<  <  ج: ص:  >  >>