للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ وَكُلُّ شَيْءٍ يُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْفَرْشُ فَالْغَنَمُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ قَالَ: وَأَحْسَبُهُ إِنَّمَا سُمِّيَ فَرْشًا لِدُنُوِّهِ مِنَ الْأَرْضِ، وَقَالَ الربيع بن أنس والحسن والضحاك وقتادة وغيره:

الْحَمُولَةُ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْفَرْشُ الْغَنَمُ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَمَّا الْحَمُولَةُ فَالْإِبِلُ وَأَمَّا الْفَرْشُ فَالْفُصْلَانُ وَالْعَجَاجِيلُ والغنم، وما حمل عليه فهو حمولة، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: الْحَمُولَةُ مَا تَرْكَبُونَ وَالْفَرْشُ مَا تَأْكُلُونَ وَتَحْلِبُونَ، شَاةٌ لَا تَحْمِلُ تَأْكُلُونَ لَحْمَهَا وَتَتَّخِذُونَ مِنْ صُوفِهَا لِحَافًا وَفَرْشًا «١» .

وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ حَسَنٌ يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ [يس: ٧١- ٧٢] وَقَالَ تَعَالَى: وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ إِلَى أَنْ قَالَ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ [النَّحْلِ: ٦٦- ٨٠] .

وَقَالَ تَعَالَى: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ [غَافِرَ: ٧٩- ٨١] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ أَيْ مِنَ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ وَالْأَنْعَامِ فَكُلُّهَا خَلَقَهَا اللَّهُ وَجَعَلَهَا رِزْقًا لَكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ أي طريقه وَأَوَامِرَهُ كَمَا اتَّبَعَهَا الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ حَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ، أَيْ مِنَ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ، إِنَّهُ لَكُمْ أَيْ إِنَّ الشَّيْطَانَ أَيُّهَا النَّاسُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ أَيْ بَيِّنٌ ظَاهِرُ الْعَدَاوَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ [فَاطِرٍ: ٦] وَقَالَ تَعَالَى: يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما [الأعراف: ٢٧] الآية، وَقَالَ تَعَالَى: أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا [الْكَهْفِ: ٥٠] والآيات في هذا كثيرة في القرآن.

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ١٤٣ الى ١٤٤]

ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٤٣) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٤٤)

هذا بَيَانٌ لِجَهْلِ الْعَرَبِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، فِيمَا كَانُوا حَرَّمُوا مِنَ الْأَنْعَامِ وَجَعَلُوهَا أَجْزَاءً وَأَنْوَاعًا بَحِيرَةً وَسَائِبَةً وَوَصِيلَةً وَحَامًا، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَنْوَاعِ التي ابتدعوها في الأنعام والزروع


(١) اختيار ابن جرير والآثار في تأويل «حمولة وفرشا» في تفسير الطبري ٥/ ٣٧٢- ٣٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>