للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلصلة، فذلك حين يقول ﴿مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخّارِ﴾ [الرحمن: ١٤] يقول: لأمر ما خلقت، ودخل من فيه وخرج من دبره وقال للملائكة: لا ترهبوا من هذا فإن ربكم صمد وهذا أجوف، لئن سلطت عليه لأهلكنه، فلما بلغ الحين الذي يريد الله ﷿ أن ينفخ فيه الروح، قال الملائكة: إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له، فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه عطس فقالت الملائكة قل الحمد لله، فقال الحمد لله، فقال له الله «رحمك ربك» فلما دخلت الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة، فلما دخل الروح إلى جوفه اشتهى الطعام فوثب قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة فذلك حين يقول الله تعالى ﴿خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ [الأنبياء: ٣٧] فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبي أن يكون مع الساجدين، أبى واستكبر وكان من الكافرين، قال الله له: ما منعك أن تسجد إذ أمرتك لما خلقت بيدي؟ قال:

أنا خير منه لم أكن لأسجد لبشر خلقته من طين. قال الله له: ﴿فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ﴾ يعني ما ينبغي لك ﴿أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصّاغِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٣] والصغار هو الذل، قال ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها﴾ ثم عرض الخلق على الملائكة فقال ﴿أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، فقالوا: ﴿سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ قال الله: ﴿يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ قال:

قولهم ﴿أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها﴾ فهذا الذي أبدوا وأعلم ما تكتمون يعني ما أسر إبليس في نفسه من الكبر (١)، فهذا الإسناد إلى هؤلاء الصحابة مشهور في تفسير السدي ويقع فيه إسرائيليات كثيرة، فلعل بعضها مدرج (٢) ليس من كلام الصحابة، أو أنهم أخذوا من بعض الكتب المتقدمة، والله أعلم (٣). والحاكم يروي في مستدركه بهذا الإسناد بعينه ويقول أشياء ويقول على شرط البخاري.

والغرض أن الله تعالى لما أمر الملائكة بالسجود لآدم، دخل إبليس في خطابهم لأنه وإن لم يكن من عنصرهم إلا أنه كان قد تشبه بهم وتوسم بأفعالهم، فلهذا دخل في الخطاب لهم وذم في مخالفة الأمر، وسنبسط المسألة إن شاء الله تعالى عند قوله: ﴿إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾


(١) خبر السدّي بالإسناد المذكور نقله الطبري في تفسيره ١/ ٢٤٠ - ٢٤١.
(٢) حديث مدرج: هو الحديث الذي يرويه الراوي فيذكر في آخره كلاما لنفسه أو لغيره من غير فصل أو تمييز، فيأتي بعده من يرويه متصلا متوهما أنه من أصل الحديث.
(٣) الإسناد المذكور الذي أورده السّدي في تفسيره «عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس- وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود-وعن ناس من الصحابة» هو من أكثر الأسانيد دورانا في تفسير الطبري، علما أن الطبري نفسه قد ارتاب به ولكنه لم يبيّن علّة ارتيابه. وللاستاذ محمود شاكر بحث وتدقيق ورأي حول هذا الأمر، فانظر تفسير الطبري (طبعة دار المعارف) ١/ ١٥٦ - ١٦٠ (حاشية طويلة استغرقت نحو ٤ صفحات)

<<  <  ج: ص:  >  >>