للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَحْرَقَتْهُمْ، ثُمَّ خَلَقَ هَؤُلَاءِ فَقَالَ: اسْجُدُوا لِآدَمَ، قَالُوا: نَعَمْ، وَكَانَ إِبْلِيسُ مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَبَوْا أَنْ يَسْجُدُوا لِآدَمَ «١» - وَهَذَا غَرِيبٌ وَلَا يَكَادُ يَصِحُّ إِسْنَادُهُ فَإِنَّ فِيهِ رَجُلًا مُبْهَمًا «٢» وَمِثْلُهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ حَيَّانَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ مِنَ الَّذِينَ أَبَوْا فَأَحْرَقَتْهُمُ النار. وقال أبو جعفر رضي الله عنه عَنِ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ يَعْنِي مِنَ الْعَاصِينَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ الَّذِينَ لَمْ يَخْلُقْهُمُ اللَّهُ يَوْمَئِذٍ يكونون بعد. وقال محمد بن كعب القرضي: ابْتَدَأَ اللَّهُ خَلْقَ إِبْلِيسَ عَلَى الْكُفْرِ وَالضَّلَالَةِ وعمل بعمل الملائكة فصيره الله إلى ما أبدى عليه خلقه على الْكُفْرِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ. وقال قتادة في قوله تعالى: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَكَانَتِ الطَّاعَةُ لله والسجدة لآدم، أكرم الله آدم أن أسجد له ملائكته. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: كَانَ هَذَا سُجُودُ تَحِيَّةٍ وَسَلَامٍ وَإِكْرَامٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً، وَقالَ يَا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا [يُوسُفَ: ١٠٠] وَقَدْ كَانَ هَذَا مَشْرُوعًا فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَلَكِنَّهُ نُسِخَ فِي مِلَّتِنَا. قَالَ مُعَاذٌ: قَدِمْتُ الشَّامَ فَرَأَيْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لِأَسَاقِفَتِهِمْ وَعُلَمَائِهِمْ، فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُسْجَدَ لَكَ، فَقَالَ: «لَا لَوْ كُنْتُ آمِرًا بَشَرًا أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا» «٣» وَرَجَّحَهُ الرَّازِيُّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ كَانَتِ السَّجْدَةُ لِلَّهِ وَآدَمُ قِبْلَةٌ فِيهَا، كما قال تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ [الْإِسْرَاءِ: ٧٨] وَفِي هَذَا التَّنْظِيرِ نَظَرٌ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ أَوْلَى، وَالسَّجْدَةَ لِآدَمَ إِكْرَامًا وَإِعْظَامًا وَاحْتِرَامًا وَسَلَامًا، وَهِيَ طَاعَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّهَا امْتِثَالٌ لِأَمْرِهِ تَعَالَى، وَقَدْ قَوَّاهُ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَضَعَّفَ مَا عَدَاهُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَهُمَا كَوْنُهُ جُعِلَ قِبْلَةً إِذْ لَا يَظْهَرُ فِيهِ شَرَفٌ وَالْآخَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسُّجُودِ الْخُضُوعُ لَا الِانْحِنَاءُ وَوَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا قال. وقال قتادة فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ حَسَدَ عَدُوُّ اللَّهِ إبليس آدم عليه السلام ما أعطاه مِنَ الْكَرَامَةِ، وَقَالَ: أَنَا نَارِيٌّ وَهَذَا طِينِيٌّ، وَكَانَ بَدْءُ الذُّنُوبِ الْكِبْرَ، اسْتَكْبَرَ عَدُوُّ اللَّهِ أن يسجد لآدم عليه السلام. قُلْتُ: وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ مِنْ خردل من كبر» «٤» وقد كان في إِبْلِيسَ مِنَ الْكِبْرِ وَالْكُفْرِ وَالْعِنَادِ مَا اقْتَضَى طَرْدَهُ وَإِبْعَادَهُ عَنْ جَنَابِ الرَّحْمَةِ وَحَضْرَةِ الْقُدْسِ، قال بعض


(١) الطبري ١/ ٢٦٤.
(٢) قوله: «عن رجل عن عكرمة» .
(٣) أخرجه أبو داود (نكاح باب ٤٠) والترمذي (رضاع باب ١٠) وابن ماجة (نكاح باب ٤) وأحمد في المسند (ج ٥ ص ٢٤٨) .
(٤) أخرجه مسلم (إيمان حديث ١٤٨، ١٤٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>