للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المرأة على قبلها النسعة (١) أو الشيء وتقول: [رجز] اليوم يبدو بعضه أو كلّه … وما بدا منه فلا أحلّه (٢)

فأنزل الله ﴿وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها﴾ الآية، قلت: كانت العرب ما عدا قريشا لا يطوفون بالبيت في ثيابهم التي لبسوها يتأولون في ذلك أنهم لا يطوفون في ثياب عصوا الله فيها، وكانت قريش وهم الحمس يطوفون في ثيابهم، ومن أعاره أحمسي ثوبا طاف فيه، ومن معه ثوب جديد طاف فيه ثم يلقيه فلا يتملكه أحد، ومن لم يجد ثوبا جديدا، ولا أعاره أحمسي ثوبا طاف عريانا، وربما كانت امرأة فتطوف عريانة فتجعل على فرجها شيئا ليستره بعض الستر فتقول: [رجز] اليوم يبدو بعضه أو كلّه … وما بدا منه فلا أحلّه

وأكثر ما كان النساء يطفن عراة بالليل، وكان هذا شيئا قد ابتدعوه من تلقاء أنفسهم واتبعوا فيه آباءهم، ويعتقدون أن فعل آبائهم مستند إلى أمر من الله وشرع، فأنكر الله تعالى عليهم ذلك، فقال ﴿وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها﴾ فقال تعالى ردا عليهم ﴿قُلْ﴾ أي يا محمد لمن ادعى ذلك ﴿إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ﴾ أي هذا الذي تصنعونه فاحشة منكرة، والله لا يأمر بمثل ذلك ﴿أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ أي أتسندون إلى الله من الأقوال ما لا تعلمون صحته، وقوله تعالى: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ﴾ أي بالعدل والاستقامة ﴿وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ أي أمركم بالاستقامة في عبادته في محالها وهي متابعة المرسلين المؤيدين بالمعجزات، فيما أخبروا به عن الله وما جاءوا به من الشرائع وبالإخلاص له في عبادته، فإنه تعالى لا يتقبل العمل حتى يجمع هذين الركنين، أن يكون صوابا موافقا للشريعة وأن يكون خالصا من الشرك.

وقوله تعالى: ﴿كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ إلى قوله ﴿الضَّلالَةُ﴾ اختلف في معنى قوله ﴿كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ فقال ابن أبي نجيح: عن مجاهد ﴿كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ يحييكم بعد موتكم (٣)، وقال الحسن البصري: كما بدأكم في الدنيا كذلك تعودون يوم القيامة أحياء، وقال قتادة ﴿كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ قال: بدأ فخلقهم ولم يكونوا شيئا ثم ذهبوا ثم يعيدهم، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كما بدأكم أولا كذلك يعيدكم آخرا، واختار هذا القول أبو جعفر بن جرير، وأيده بما رواه من حديث سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج كلاهما عن


(١) النسعة: قصعة من جلد، توضع على صدر البعير.
(٢) الرجز بلا نسبة في لسان العرب (حرم)، وتاج العروس (ضبع)، وتهذيب اللغة ٥/ ٤٨، وتفسير الطبري ٥/ ٤٦٣.
(٣) انظر تفسير الطبري ٥/ ٤٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>