للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هارون؟ قال: توفاه الله ﷿، قالوا: أنت قتلته حسدتنا على خلقه ولينه أو كلمة نحوها قال: فاختاروا من شئتم قال: فاختاروا سبعين رجلا قال: فذلك قوله تعالى ﴿وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً﴾ فلما انتهوا إليه قالوا: يا هارون من قتلك؟ قال: ما قتلني أحد ولكن توفاني الله، قالوا: يا موسى لن تعصى بعد اليوم فأخذتهم الرجفة قال فجعل موسى يرجع يمينا وشمالا وقال: يا رب ﴿لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنّا إِنْ هِيَ إِلاّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ﴾ قال: فأحياهم الله وجعلهم أنبياء كلهم (١).

هذا أثر غريب جدا وعمارة بن عبيد هذا لا أعرفه، وقد رواه شعبة عن أبي إسحاق عن رجل من بني سلول عن علي فذكره.

وقال ابن عباس وقتادة ومجاهد وابن جرير: إنهم أخذتهم الرجفة لأنهم لم يزايلوا قومهم في عبادتهم العجل ولا نهوهم، ويتوجه هذا القول بقول موسى ﴿أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنّا﴾ وقوله ﴿إِنْ هِيَ إِلاّ فِتْنَتُكَ﴾ أي ابتلاؤك واختبارك وامتحانك، قاله ابن عباس وسعيد بن جبير وأبو العالية والربيع بن أنس وغير واحد من علماء السلف والخلف، ولا معنى له غير ذلك، يقول إن الأمر إلا أمرك وإن الحكم إلا لك فما شئت كان، تضل من تشاء وتهدي من تشاء، ولا هادي لمن أضللت ولا مضل لمن هديت ولا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت، فالملك كله لك والحكم كله لك، لك الخلق والأمر.

وقوله ﴿أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ﴾ الغفر هو الستر وترك المؤاخذة بالذنب والرحمة إذا قرنت مع الغفر يراد بها أن لا يوقعه في مثله في المستقبل ﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ﴾ أي لا يغفر الذنب إلا أنت ﴿وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ﴾ الفصل الأول من الدعاء لدفع المحذور وهذا لتحصيل المقصود ﴿وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ﴾ أي أوجب لنا وأثبت لنا فيهما حسنة وقد تقدم تفسير الحسنة في سورة البقرة (٢).

﴿إِنّا هُدْنا إِلَيْكَ﴾ أي تبنا ورجعنا وأنبنا إليك، قال ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وأبو العالية والضحاك وإبراهيم التيمي والسدي وقتادة وغير واحد: وهو كذلك لغة، وقال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع، حدثنا أبي عن شريك عن جابر عن عبد الله بن يحيى عن علي قال:

إنما سميت اليهود لأنهم قالوا ﴿إِنّا هُدْنا إِلَيْكَ﴾ جابر هو ابن يزيد الجعفي ضعيف.

يقول تعالى مجيبا لنفسه في قوله ﴿إِنْ هِيَ إِلاّ فِتْنَتُكَ﴾ الآية، قال


(١) انظر تفسير الطبري ٦/ ٧٤.
(٢) في تفسير الآية ٢٠١ من سورة البقرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>