للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إبراهيم بن الهيثم البلدي حدثنا عبد العزيز بن مسلم بن إدريس حدثنا عبد الله بن إدريس عن شرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة الباهلي عن هشام بن العاص الأموي قال بعثت أنا ورجل آخر إلى هرقل صاحب الروم ندعوه إلى الإسلام فخرجنا حتى قدمنا الغوطة يعني غوطة دمشق فنزلنا على جبلة بن الأيهم الغساني فدخلنا عليه فإذا هو على سرير له فأرسل إلينا برسوله نكلمه فقلنا والله لا نكلم رسولا وإنما بعثنا إلى الملك، فإن أذن لنا كلمناه وإلا لم نكلم الرسول فرجع إليه الرسول فأخبره بذلك.

قال: فأذن لنا فقال: تكلموا فكلمه هشام بن العاص ودعاه إلى الإسلام فإذا عليه ثياب سود فقال له هشام وما هذه التي عليك؟ فقال لبستها وحلفت أن لا أنزعها حتى أخرجكم من الشام قلنا ومجلسك هذا والله لنأخذنه منك ولنأخذن ملك الملك الأعظم إن شاء الله، أخبرنا بذلك نبينا محمد قال: لستم بهم بل هم قوم يصومون بالنهار ويقومون بالليل فكيف صومكم؟ فأخبرناه، فملئ وجهه سوادا فقال: قوموا وبعث معنا رسولا إلى الملك فخرجنا حتى إذا كنا قريبا من المدينة قال لنا الذي معنا: إن دوابكم هذه لا تدخل مدينة الملك فإن شئتم حملناكم على براذين وبغال، قلنا والله لا ندخل إلا عليها فأرسلوا إلى الملك أنهم يأبون ذلك فأمرهم أن ندخل على رواحلنا.

فدخلنا عليها متقلدين سيوفنا حتى انتهينا إلى غرفة له فأنخنا في أصلها وهو ينظر إلينا، فقلنا لا إله إلا الله والله أكبر فالله يعلم لقد انتفضت الغرفة (١) حتى صارت كأنها عذق تصفقه الرياح، قال: فأرسل إلينا ليس لكم أن تجهروا علينا بدينكم، وأرسل إلينا أن ادخلوا فدخلنا عليه وهو على فراش له وعنده بطارقة من الروم وكل شيء في مجلسه أحمر وما حوله حمرة وعليه ثياب من الحمرة، فدنونا منه فضحك فقال: ما عليكم لو حييتموني بتحيتكم فيما بينكم؟ وإذا عنده رجل فصيح بالعربية كثير الكلام فقلنا إن تحيتنا فيما بيننا لا تحل لك وتحيتك التي تحيا بها، لا يحل لنا أن نحييك بها.

قال كيف تحيتكم فيما بينكم؟ قلنا السلام عليكم قال فكيف تحيون ملككم قلنا بها قال:

فكيف يرد عليكم؟ قلنا بها، قال فما أعظم كلامكم؟ قلنا لا إله إلا الله والله أكبر فلما تكلمنا بها والله يعلم لقد انتفضت الغرفة حتى رفع رأسه إليها قال فهذه الكلمة التي قلتموها حيث انتفضت الغرفة كلما قلتموها في بيوتكم انتفضت عليكم غرفكم؟ قلنا لا، ما رأيناها فعلت هذا قط إلا عندك، قال: لوددت أنكم كلما قلتم انتفض كل شيء عليكم وإني قد خرجت من نصف ملكي قلنا لم؟ قال لأنه كان أيسر لشأنها وأجدر أن لا تكون من أمر النبوة وأنها تكون من حيل الناس، ثم سألنا عما أراد فأخبرناه، ثم قال كيف صلاتكم وصومكم؟ فأخبرناه، فقال: قوموا


(١) انتفضت الغرفة: أي تشققت وسمع صوتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>