للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: ﴿فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ﴾ أي استحوذ عليه وعلى أمره فمهما أمره امتثل وأطاعه ولهذا قال: ﴿فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ﴾ أي من الهالكين الحائرين البائرين وقد ورد في معنى هذه الآية حديث رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده حيث قال حدثنا محمد بن مرزوق حدثنا محمد بن بكر عن الصلت بن بهرام حدثنا الحسن حدثنا جندب البجلي في هذا المسجد أن حذيفة يعني ابن اليمان حدثه قال: قال رسول الله «إن مما أتخوف عليكم رجل قرأ القرآن حتى إذا رؤيت بهجته عليه وكان رداؤه الإسلام اعتراه إلى ما شاء الله انسلخ منه ونبذه وراء ظهره وسعى على جاره بالسيف ورماه بالشرك» قال قلت يا نبي الله أيهما أولى بالشرك المرمي أو الرامي؟ قال «بل الرامي».

إسناد جيد والصلت بن بهرام كان من ثقات الكوفيين ولم يرم بشيء سوى الإرجاء وقد وثقه الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهما.

وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ﴾ يقول تعالى:

﴿وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها﴾ أي لرفعناه من التدنس عن قاذورات الدنيا بالآيات التي آتيناه إياها ﴿وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ﴾ أي مال إلى زينة الحياة الدنيا وزهرتها وأقبل على لذاتها ونعيمها وغرته كما غرت غيره من غير أولي البصائر والنهي، وقال أبو الراهويه في قوله تعالى: ﴿وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ﴾ قال: تراءى له الشيطان على علوة من قنطرة بانياس، فسجدت الحمارة لله وسجد بلعام للشيطان، وكذا قال عبد الرحمن بن جبير بن نفير وغير واحد.

وقال الإمام أبو جعفر بن جرير (١) : وكان من قصة هذا الرجل ما حدثنا محمد بن عبد الأعلى، حدثنا المعتمر عن أبيه أنه سئل عن هذه الآية ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا﴾ فحدث عن سيار أنه كان رجلا يقال له بلعام وكان مجاب الدعوة، قال: وإن موسى أقبل في بني إسرائيل يريد الأرض التي فيها بلعام أو قال: الشام قال: فرعب الناس منه رعبا شديدا فأتوا بلعام فقالوا: ادع الله على هذا الرجل وجيشه، قال حتى أؤامر ربي أو حتى أؤامر، قال فآمر في الدعاء عليهم فقيل له لا تدع عليهم فإنهم عبادي وفيهم نبيهم.

قال: فقال لقومه إني قد آمرت ربي في الدعاء عليهم وإني قد نهيت فأهدوا له هدية فقبلها ثم راجعوه فقالوا: ادع عليهم فقال: حتى أؤامر ربي فأمر فلم يأمره بشيء فقال: قد وأمرت فلم يأمرني بشيء فقالوا: لو كره ربك أن تدعو عليهم لنهاك كما نهاك المرة الأولى، قال: فأخذ يدعو عليهم فإذا دعا عليهم جرى على لسانه الدعاء على قومه، وإذا أراد أن يدعو أن يفتح لقومه دعا أن يفتح لموسى وجيشه أو نحوا من ذلك إن شاء الله، قال: فقالوا ما نراك تدعو إلا علينا، قال: ما يجري على لساني إلا هكذا ولو دعوت عليه أيضا ما استجيب لي ولكن


(١) تفسير الطبري ٦/ ١٢٣، ١٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>