للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به حتى إذا أشرفت به على رأس حسبان على عسكر موسى وبني إسرائيل جعل يدعو عليهم ولا يدعو عليهم بشر إلا صرف الله لسانه إلى قومه ولا يدعو لقومه بخير إلا صرف لسانه إلى بني إسرائيل، فقال له قومه: أتدري يا بلعم ما تصنع؟ إنما تدعو لهم وتدعو علينا قال فهذا مالا أملك، هذا شيء قد غلب الله عليه.

قال: واندلع لسانه (١) فوقع على صدره فقال لهم: قد ذهبت مني الآن الدنيا والآخرة ولم يبق إلا المكر والحيلة فسأمكر لكم وأحتال، جملوا النساء وأعطوهن السلع ثم أرسلوهن إلى العسكر يبعنها فيه ومروهن فلا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها فإنهم إن زنى رجل منهم واحد كفيتموهم، ففعلوا فلما دخلت النساء العسكر مرت امرأة من الكنعانيين اسمها كسبي-ابنة صور رأس أمته-برجل من عظماء بني إسرائيل وهو زمري بن شلوم رأس سبط شمعون بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم .

فلما رآها أعجبته، فقام فأخذ بيدها وأتى بها موسى وقال: إني أظنك ستقول هذا حرام عليك؟ قال: أجل هي حرام عليك لا تقربها، قال فوالله لا أطيعك في هذا فدخل بها قبته فوقع عليها وأرسل الله ﷿ الطاعون في بني إسرائيل، وكان فنحاص بن العيزار بن هارون صاحب أمر موسى وكان غائبا حين صنع زمري بن شلوم ما صنع، فجاء والطاعون يجوس فيهم فأخبر الخبر فأخذ حربته وكانت من حديد كلها.

ثم دخل القبة وهما متضاجعان فانتظمهما بحربته ثم خرج بهما رافعهما إلى السماء والحربة قد أخذها بذراعه واعتمد بمرفقه على خاصرته وأسند الحربة إلى لحييه وكان بكر العيزار، وجعل يقول اللهم هكذا نفعل بمن يعصيك ورفع الطاعون، فحسب من هلك من بني إسرائيل في الطاعون فيما بين أن أصاب زمري المرأة إلى أن قتله فنحاص، فوجدوه قد هلك منهم سبعون ألفا والمقلل لهم يقول عشرون ألفا في ساعة من النهار، فمن هنالك تعطي بنو إسرائيل ولد فنحاص من كل ذبيحة ذبحوها الرقبة والذراع واللحى والبكر من كل أموالهم وأنفسها لأنه كان بكر أبيه العيزار، ففي بلعام بن باعوراء أنزل الله ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها﴾ -إلى قوله- ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (٢).

وقوله تعالى: ﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾ اختلف المفسرون في معناه، فعلى سياق ابن إسحاق عن سالم عن أبي النضر أن بلعاما اندلع لسانه على صدره، فتشبيهه بالكلب في لهيثه في كلتا حالتيه إن زجر وإن ترك ظاهر، وقيل معناه فصار مثله في ضلاله واستمراره فيه وعدم انتفاعه بالدعاء إلى الإيمان وعدم الدعاء كالكلب في لهيثه


(١) اندلع لسانه: خرج من فمه واسترخى كلسان الكلب.
(٢) انظر الأثر في تفسير الطبري ٦/ ١٢٤، ١٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>