للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطبقة الثانية قتادة والسدي وغير واحد من السلف وجماعة من الخلف، ومن المفسرين من المتأخرين جماعات لا يحصون كثرة، وكأنه-والله أعلم-أصله مأخوذ من أهل الكتاب، فإن ابن عباس رواه عن أبي بن كعب، كما رواه ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو الجماهر، حدثنا سعيد يعني ابن بشير عن عقبة عن قتادة عن مجاهد عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال:

لما حملت حواء أتاها الشيطان فقال لها: أتطيعيني ويسلم لك ولدك، سميه عبد الحارث، فلم تفعل، فولدت فمات، ثم حملت فقال لها مثل ذلك فلم تفعل، ثم حملت الثالثة فجاءها فقال:

إن تطيعيني يسلم وإلا فإنه يكون بهيمة، فهيبهما فأطاعا.

وهذه الآثار يظهر عليها-والله أعلم-أنها من آثار أهل الكتاب، وقد صح الحديث عن رسول الله أنه قال «إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم» (١) ثم أخبارهم على ثلاثة أقسام، فمنها ما علمنا صحته بما دل عليه الدليل من كتاب الله أو سنة رسوله، ومنها ما علمنا كذبه بما دل على خلافه من الكتاب والسنة أيضا، ومنها ما هو مسكوت عنه فهو المأذون في روايته بقوله «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» (٢) وهو الذي لا يصدق ولا يكذب لقوله «فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم» وهذا الأثر هو من القسم الثاني أو الثالث فيه نظر، فأما من حدث به من صحابي أو تابعي فإنه يراه من القسم الثالث، وأما نحن فعلى مذهب الحسن البصري في هذا، وأنه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء، وإنما المراد من ذلك المشركون من ذريته ولهذا قال الله ﴿فَتَعالَى اللهُ عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ ثم قال فذكر آدم وحواء أولا كالتوطئة لما بعدهما من الوالدين، وهو كالاستطراد من ذكر الشخص إلى الجنس، كقوله ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ﴾ [الملك: ٥] الآية، ومعلوم أن المصابيح وهي النجوم التي زينت بها السماء ليست هي التي يرمى بها، وإنما هذا استطراد من شخص المصابيح إلى جنسها، ولهذا نظائر في القرآن، والله أعلم.


(١) أخرجه البخاري في الشهادات باب ٢٩، وتفسير سورة ٢، باب ١١، والاعتصام باب ٢٥، والتوحيد باب ٥١، وأبو داود في العلم باب ٢، وأحمد في المسند ٤/ ١٣٦.
(٢) أخرجه البخاري في الأنبياء باب ٥٠، ومسلم في الزهد حديث ٧٢، والترمذي في العلم باب ١٣، وابن ماجة في المقدمة باب ٥، وأحمد في المسند ٣/ ٣٩، ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>