للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنفسهم، ولا يصلح لأحد خلفه أن يقرأ معه فيما يجهر به سرا ولا علانية، فإن الله تعالى قال:

﴿وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (١).

قلت: هذا مذهب طائفة من العلماء أن المأموم لا يجب عليه في الصلاة الجهرية قراءة فيما جهر فيه الإمام لا الفاتحة ولا غيرها، وهو أحد قولي الشافعية، وهو القديم كمذهب مالك ورواية عن أحمد بن حنبل، لما ذكرناه من الأدلة المتقدمة، وقال في الجديد: يقرأ الفاتحة فقط في سكتات الإمام، وهو قول طائفة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وقال أبو حنيفة وأحمد بن حنبل: لا يجب على المأموم قراءة أصلا في السرية ولا الجهرية بما ورد في الحديث «من كان له إمام فقراءته قراءة له» (٢) وهذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده عن جابر مرفوعا، وهو في موطأ مالك عن وهب بن كيسان عن جابر موقوفا، وهذا أصح وهذه المسألة مبسوطة في غير هذا الموضع، وقد أفرد لها الإمام أبو عبد الله البخاري مصنفا على حدة، واختار وجوب القراءة خلف الإمام في السرية والجهرية أيضا، والله أعلم.

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية قوله ﴿وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ يعني في الصلاة المفروضة، وكذا روي عن عبد الله بن المغفل.

وقال ابن جرير (٣): حدثنا حميد بن مسعدة، حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا الجريري عن طلحة بن عبيد الله بن كريز قال: رأيت عبيد بن عمير وعطاء بن أبي رباح يتحدثان، والقاص يقص، فقلت: ألا تستمعان إلى الذكر وتستوجبان الموعود؟ قال: فنظرا إلي ثم أقبلا على حديثهما، قال: فأعدت فنظرا إليّ وأقبلا على حديثهما، قال: فأعدت الثالثة قال فنظرا إلي فقالا: إنما ذلك في الصلاة ﴿وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ وكذا قال سفيان الثوري عن أبي هشام إسماعيل بن كثير عن مجاهد في قوله ﴿وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ قال: في الصلاة، وكذا رواه غير واحد عن مجاهد.

وقال عبد الرزاق عن الثوري عن ليث عن مجاهد قال: لا بأس إذا قرأ الرجل في غير الصلاة أن يتكلم (٤)، وكذا قال سعيد بن جبير والضحاك وإبراهيم النخعي وقتادة والشعبي والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أن المراد بذلك في الصلاة.

وقال شعبة عن منصور: سمعت إبراهيم بن أبي حمزة يحدث أنه سمع مجاهدا يقول في هذه الآية ﴿وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا﴾ قال: في الصلاة والخطبة يوم الجمعة،


(١) انظر تفسير الطبري ٦/ ١٦٣.
(٢) أخرجه ابن ماجة في الإقامة باب ١٣، وأحمد في المسند ٣/ ٣٣٩.
(٣) تفسير الطبري ٦/ ١٦١، ١٦٣.
(٤) تفسير الطبري ٦/ ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>