﴿وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً﴾ [الإسراء: ١١٠] فإن المشركين كانوا إذا سمعوا القرآن سبوه وسبوا من أنزله وسبوا من جاء به، فأمره الله تعالى أن لا يجهر به لئلا ينال منه المشركون ولا يخافت به عن أصحابه فلا يسمعهم، وليتخذ سبيلا بين الجهر والإسرار، وكذا قال في هذه الآية الكريمة ﴿وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ﴾.
وقد زعم ابن جرير وقبله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أن المراد بها أمر السامع للقرآن في حال استماعه بالذكر على هذه الصفة. وهذا بعيد مناف للإنصات المأمور به، ثم إن المراد بذلك في الصلاة كما تقدم أو في الصلاة والخطبة، ومعلوم أن الإنصات إذ ذاك أفضل من الذكر باللسان، سواء كان سرا أو جهرا، فهذا الذي قالاه لم يتابعا عليه، بل المراد الحض على كثرة الذكر من العباد بالغدو والآصال، لئلا يكونوا من الغافلين، ولهذا مدح الملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون، فقال ﴿إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ﴾ الآية، وإنما ذكرهم بهذا ليقتدى بهم في كثرة طاعتهم وعبادتهم.
ولهذا شرع لنا السجود هاهنا لما ذكر سجودهم لله ﷿، كما جاء في الحديث «ألا تصفّون كما تصف الملائكة عند ربها يتمون الصفوف الأول فالأول ويتراصون في الصف»(١) وهذه أول سجدة في القرآن مما يشرع لتاليها ومستمعها السجود بالإجماع، وقد ورد في حديث رواه ابن ماجة عن أبي الدرداء عن النبي ﷺ أنه عدها في سجدات القرآن.
آخر سورة الأعراف ولله الحمد والمنّة
(١) أخرجه مسلم في الصلاة حديث ١١٩، وأبو داود في الصلاة باب ٩٣، ٩٦، والنسائي في الإمامة باب ٢٨، وابن ماجة في الإقامة باب ٥٠، وأحمد في المسند ٢/ ٩٨، ٥/ ١٠١.