يا رسول الله، إنك لو أعطيت هؤلاء لم يبق لأصحابك شيء، وإنه لم يمنعنا من هذا زهادة في الأجر، ولا جبن عن العدو، وإنما قمنا هذا المقام محافظة عليك مخافة أن يأتوك من ورائك، فتشاجروا ونزل القرآن ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ﴾، قال ونزل القرآن ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنفال: ٤١] إلى آخر الآية.
وقال الإمام أبو عبيد الله القاسم بن سلام، ﵀، في كتاب الأموال الشرعية وبيان جهاتها ومصارفها، أما الأنفال فهي المغانم وكل نيل ناله المسلمون من أموال أهل الحرب، فكانت الأنفال الأولى لرسول الله ﷺ، يقول الله تعالى: ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ﴾، فقسمها يوم بدر على ما أراه الله من غير أن يخمسها على ما ذكرناه في حديث سعد، ثم نزلت بعد ذلك آية الخمس فنسخت الأولى.
قلت هكذا روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس سواء، وبه قال مجاهد وعكرمة والسدي. وقال ابن زيد: ليست منسوخة بل هي محكمة.
قال أبو عبيد وفي ذلك آثار، والأنفال أصلها جماع الغنائم، إلا أن الخمس منها مخصوص لأهله على ما نزل به الكتاب وجرت به السنة، ومعنى الأنفال في كلام العرب كل إحسان فعله فاعل تفضلا، من غير أن يجب ذلك عليه، فذلك النفل الذي أحله الله للمؤمنين من أموال عدوهم، وإنما هو شيء خصهم الله به تطولا منه عليهم بعد أن كانت الغنائم محرمة على الأمم قبلهم، فنفلها الله تعالى هذه الأمة، فهذا أصل النفل.
قلت: شاهد هذا ما في الصحيحين عن جابر ﵁، أن رسول الله ﷺ قال:
«أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي-فذكر الحديث إلى أن قال-وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي»(١). وذكر تمام الحديث، ثم قال أبو عبيد: ولهذا سمى ما جعل الإمام للمقاتلة نفلا، وهو تفضيله بعض الجيش على بعض بشيء سوى سهامهم يفعل ذلك بهم على قدر الغناء عن الإسلام والنكاية في العدو.
وفي النفل الذي ينفله الإمام سنن أربع لكل واحدة منهن موضع غير موضع الأخرى [فإحداهن] في النفل لا خمس فيه وذلك السلب، [والثانية] النفل الذي يكون من الغنيمة بعد إخراج الخمس وهو أن يوجه الإمام السرايا في أرض الحرب، فتأتي بالغنائم، فيكون للسرية مما جاءت به الربع أو الثلث بعد الخمس، [والثالثة] في النفل من الخمس نفسه، وهو أن تحاز الغنيمة كلها، ثم تخمس فإذا صار الخمس في يدي الإمام، نفل منه على قدر ما يرى. [والرابعة] في النفل في جملة الغنيمة قبل أن يخمس منها شيء، وهو أن
(١) أخرجه البخاري في التيمم باب ١، والخمس باب ٨، ومسلم في المساجد حديث ٣، ٥، والترمذي في السير باب ٢٩.