للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما بأيديهم، فتكشّف عن سبعين ألف قتيل، وإن الله أوحى إلى موسى أن حسبي فقد اكتفيت فذلك حين ألوى موسى بثوبه وروي عن علي نحو ذلك. وقال قتادة: أمر القوم بشديد من الأمر فقاموا يتناحرون بالشفار، يقتل بعضهم بعضا، حتى بلغ الله فيهم نقمته، فسقطت الشفار من أيديهم، فأمسك عنهم القتل فجعل لحيهم توبة، وللمقتول شهادة. وقال الحسن البصري: أصابتهم ظلمة حندس (١)، فقتل بعضهم بعضا ثم انكشف عنهم فجعل توبتهم في ذلك.

وقال السدي في قوله ﴿فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ قال: فاجتلد الذين عبدوه والذين لم يعبدوه بالسيوف، فكان من قتل من الفريقين شهيدا حتى كثر القتل حتى كادوا أن يهلكوا حتى قتل منهم سبعون ألفا وحتى دعا موسى وهارون: ربنا أهلكت بني إسرائيل، ربنا البقية البقية، فأمرهم أن يلقوا السلاح، وتاب عليهم، فكان من قتل منهم من الفريقين شهيدا، ومن بقي مكفرا عنه، فذلك قوله ﴿فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ﴾ وقال الزهري: لما أمرت بنو إسرائيل بقتل أنفسها برزوا ومعهم موسى فاضطربوا بالسيوف وتطاعنوا بالخناجر، وموسى رافع يديه حتى إذا فتر بعضهم، قالوا: يا نبي الله، ادع الله لنا، وأخذوا بعضديه يسندون يديه، فلم يزل أمرهم على ذلك حتى إذا قبل الله توبتهم قبض أيديهم بعضهم عن بعض فألقوا السلاح وحزن موسى وبنو إسرائيل للذي كان من القتل فيهم، فأوحى الله جل ثناؤه إلى موسى: ما يحزنك، أما من قتل منهم فحي عندي يرزقون، وأما من بقي فقد قبلت توبته، فسر بذلك موسى وبنو إسرائيل، رواه ابن جرير بإسناد جيد عنه (٢). وقال ابن إسحاق: لما رجع موسى إلى قومه وأحرق العجل وذراه في اليم، خرج إلى ربه بمن اختار من قومه، فأخذتهم الصاعقة، ثم بعثوا، فسأل موسى ربه التوبة لبني إسرائيل من عبادة العجل، فقال: لا إلا أن يقتلوا أنفسهم قال: فبلغني أنهم قالوا لموسى: نصبر لأمر الله فأمر موسى من لم يكن عبد العجل أن يقتل من عبده، فجلسوا بالأفنية، وأصلت عليهم القوم السيوف، فجعلوا يقتلونهم، وبكى موسى، وبهش (٣) إليه النساء والصبيان يطلبون العفو عنهم، فتاب الله عليهم وعفا عنهم، وأمر موسى أن ترفع عنهم السيوف (٤). وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لما رجع موسى إلى قومه وكانوا سبعين رجلا قد اعتزلوا مع هارون العجل لم يعبدوه، فقال لهم موسى: انطلقوا إلى موعد ربكم، فقالوا: يا موسى. أما من توبة؟ قال: بلى، ﴿فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ﴾ -الآية: فاخترطوا


(١) ظلمة حندس: شديدة السواد.
(٢) إسناده في الطبري: حدثنا المثنى، حدثنا أبو صالح، حدثني الليث، حدثني عقيل، عن ابن شهاب.
(٣) بهش إليه: خفّ إليه.
(٤) الطبري ١/ ٣٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>