للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول: ﴿أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ﴾ الآية (١). وقد رواه الليث عن هشام بن سعيد بنحو من هذا.

وقال ابن إسحاق وقد كان من جماعة من المنافقين منهم وديعة بن ثابت أخو بني أمية بن زيد بن عمرو بن عوف، ورجل من أشجع حليف لبني سلمة يقال له مخشي بن حمير، يسيرون مع رسول الله وهو منطلق إلى تبوك فقال بعضهم لبعض: أتحسبون جلاد بني الأصفر (٢) كقتال العرب بعضهم بعضا؟ والله لكأنا بكم غدا مقرنين في الحبال، إرجافا وترهيبا للمؤمنين فقال مخشي بن حمير: والله لوددت أن أقاضي على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة، وإننا نغلب أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه، وقال رسول الله فيما بلغني لعمار بن ياسر «أدرك القوم فإنهم قد احترقوا فاسألهم عما قالوا فإن أنكروا فقل بلى قلتم كذا وكذا» فانطلق إليهم عمار فقال ذلك لهم فأتوا رسول الله يعتذرون إليه فقال وديعة بن ثابت ورسول الله واقف على راحلته، فجعل يقول وهو آخذ بحقبها: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب فقال مخشي بن حمير: يا رسول الله قعد بي اسمي واسم أبي فكان الذي عفي عنه في هذه الآية مخشي بن حمير فتسمي عبد الرحمن وسأل الله أن يقتل شهيدا لا يعلم مكانه، فقتل يوم اليمامة ولم يوجد له أثر (٣).

وقال قتادة ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ﴾ قال: فبينما النبي في غزوة تبوك وركب من المنافقين يسيرون بين يديه، فقالوا: يظن هذا أن يفتح قصور الروم وحصونها هيهات هيهات، فأطلع الله نبيه على ما قالوا، فقال عليّ بهؤلاء النفر فدعاهم فقال «قلتم كذا وكذا» فحلفوا ما كنا إلا نخوض ونلعب (٤). وقال عكرمة في تفسير هذه الآية: كان رجل ممن إن شاء الله عفا عنه يقول اللهم إني أسمع آية أنا أعنى بها تقشعر منها الجلود وتجب منها القلوب، اللهم فاجعل وفاتي قتلا في سبيلك لا يقول أحد أنا غسلت أنا كفنت أنا دفنت.

قال: فأصيب يوم اليمامة فما من أحد من المسلمين إلا وقد وجد غيره (٥). وقوله:

﴿لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ﴾ أي بهذا المقال الذي استهزأتم به ﴿إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً﴾ أي لا يعفى عن جميعكم ولا بد من عذاب بعضكم ﴿بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ﴾ أي مجرمين بهذه المقالة الفاجرة الخاطئة.


(١) تفسير الطبري ٦/ ٤٠٩.
(٢) بنو الأصفر: هم الروم.
(٣) انظر سيرة ابن هشام ٢/ ٥٢٤، ٥٢٥.
(٤) تفسير الطبري ٦/ ٤٠٩.
(٥) انظر تفسير الطبري ٦/ ٤٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>