للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلام ربنا، فقال: أفعل، فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه عمود من (١) الغمام حتى تغشى الجبل كله، ودنا موسى فدخل فيه، وقال للقوم: ادنوا، وكان موسى إذا كلمه الله وقع على جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه، فضرب دونه بالحجاب، ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجودا فسمعوه وهو يكلم موسى يأمره وينهاه: افعل ولا تفعل، فلما فرغ إليه من أمره انكشف عن موسى الغمام، فأقبل إليهم، فقالوا لموسى ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً﴾ فأخذتهم الرجفة وهي الصاعقة، فماتوا جميعا، وقام موسى يناشد ربه ويدعوه ويرغب إليه ويقول ﴿رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيّايَ﴾ قد سفهوا، أفتهلك من ورائي من بني إسرائيل بما فعل السفهاء منا؟ أي إن هذا لهم هلاك واخترت منهم سبعين رجلا الخير فالخير، أرجع إليهم وليس معي منهم رجل واحد، فما الذي يصدقوني به ويأمنوني عليه بعد هذا؟ ﴿إِنّا هُدْنا إِلَيْكَ﴾ فلم يزل موسى يناشد ربه ﷿ ويطلب إليه حتى رد إليهم أرواحهم، وطلب إليه التوبة لبني إسرائيل من عبادة العجل، فقال: لا، إلا أن يقتلوا أنفسهم -هذا سياق محمد بن إسحاق (٢). وقال إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير (٣): لما تابت بنو إسرائيل من عبادة العجل، وتاب الله عليهم بقتل بعضهم لبعض كما أمرهم الله به، أمر الله موسى أن يأتيه في كل أناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل وواعدهم موسى، فاختار موسى سبعين رجلا على عينه، ثم ذهب بهم ليعتذروا. وساق البقية، وهذا السياق يقتضي أن الخطاب توجه إلى بني إسرائيل في قوله ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً﴾ والمراد السبعون المختارون منهم ولم يحك كثير من المفسرين سواه. وقد أغرب الرازي في تفسيره حين حكى في قصة هؤلاء السبعين: أنهم بعد إحيائهم قالوا: يا موسى إنك لا تطلب من الله شيئا إلا أعطاك، فادعه أن يجعلنا أنبياء، فدعا بذلك فأجاب الله دعوته (٤). وهذا غريب جدا إذ لا يعرف في زمان موسى نبي سوى هارون ثم يوشع بن نون، وقد غلط أهل الكتاب أيضا في دعواهم أن هؤلاء رأوا الله ﷿، فإن موسى الكليم قد سأل ذلك فمنع منه فكيف يناله هؤلاء السبعون؟ القول الثاني في الآية: قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في تفسير هذه الآية: قال لهم موسى لما رجع من عند ربه بالألواح قد كتب فيها التوراة فوجدهم يعبدون العجل، فأمرهم بقتل أنفسهم ففعلوا، فتاب الله عليهم، فقال: إن هذه الألواح فيها كتاب الله فيه أمركم الذي أمركم به


(١) الطبري ١/ ٣٣١.
(٢) الزيادة من الطبري والرازي.
(٣) أخرجه الطبري عن موسى بن هارون، عن عمرو بن حماد، عن أسباط بن نصر، عن السدّي.
(٤) تفسير الرازي ٣/ ٧٩. والأثر يرويه الرازي من قول السدّي، بلا إسناد. ورواه الطبري عن موسى بن هارون عن عمرو بن حماد بن حماد عن أسباط بن نصر عن السدّي.

<<  <  ج: ص:  >  >>