للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتجهز إلى تبوك فقالوا: يا رسول الله إنا قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه، فقال: «إني على جناح سفر وحال شغل» أو كما قال رسول الله «ولو قد قدمنا إن شاء الله تعالى أتيناكم فصلينا لكم فيه».

فلما نزل بذي أوان أتاه خبر المسجد فدعا رسول الله مالك بن الدخشم أخا بني سالم بن عوف، ومعن بن عدي أو أخاه عامر بن عدي أخا بلعجلان فقال: «انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه» فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف، وهم رهط مالك بن الدخشم. فقال مالك لمعن: أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي، فدخل أهله فأخذ سعفا من النخل فأشعل فيه نارا ثم خرجا يشتدان حتى دخلا المسجد وفيه أهله، فحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه، ونزل فيهم من القرآن ما نزل ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً﴾ إلى آخر القصة.

وكان الذين بنوه اثني عشر رجلا: خذام بن خالد من بني عبيد بن زيد أحد بني عمرو بن عوف، ومن داره أخرج مسجد الشقاق، وثعلبة بن حاطب من بني عبيد وموالي بني أمية بن زيد، ومعتب بن قشير من بني ضبيعة بن زيد، وأبو حبيبة بن الأزعر من بني ضبيعة بن زيد، وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف من بني عمرو بن عوف، وحارثة بن عامر وابناه مجمع بن حارثة وزيد بن حارثة ونبتل الحارث وهم من بني ضبيعة ومخرج، وهم من بني ضبيعة، وبجاد بن عثمان وهو من بني ضبيعة، ووديعة بن ثابت، وموالي بني أمية رهط أبي لبابة بن عبد المنذر.

وقوله ﴿وَلَيَحْلِفُنَّ﴾ أي الذين بنوه ﴿إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى﴾ أي ما أردنا ببنيانه إلا خيرا ورفقا بالناس، قال الله تعالى: ﴿وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ﴾ أي فيما قصدوا وفيما نووا، وإنما بنوه ضرارا لمسجد قباء وكفرا بالله وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل، وهو أبو عامر الفاسق الذي يقال له الراهب لعنه الله.

وقوله ﴿لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً﴾ نهي له والأمة تبع له في ذلك عن أن يقوم فيه أي يصلي فيه أبدا. ثم حثه على الصلاة بمسجد قباء الذي أسس من أول يوم بنيانه على التقوى، وهي طاعة الله وطاعة رسوله وجمعا لكلمة المؤمنين ومعقلا وموئلا للإسلام وأهله، ولهذا قال تعالى: ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ﴾ والسياق إنما هو في معرض مسجد قباء، ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله قال: «صلاة في مسجد قباء كعمرة» (١)، وفي الصحيح أن رسول الله كان يزور مسجد قباء راكبا وماشيا (٢)، وفي


(١) أخرجه ابن ماجة في الصلاة باب ٣٠.
(٢) أخرجه مسلم في الحج حديث ٥١٥، وأحمد في المسند ٢/ ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>