للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنزل الله ﴿وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ﴾ الآية.

وقال قتادة في الآية: ذكر لنا أن رجالا من أصحاب النبي : قالوا: يا نبي الله إن من آبائنا من كان يحسن الجوار ويصل الأرحام ويفك العاني ويوفي بالذمم أفلا نستغفر لهم؟ قال: فقال النبي «بلى والله إني لأستغفر لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه» فأنزل الله ﴿ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ﴾ حتى بلغ قوله ﴿الْجَحِيمِ﴾ ثم عذر الله تعالى إبراهيم ، فقال: ﴿وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ﴾ الآية، قال: وذكر لنا أن نبي الله قال: «قد أوحى الله إليّ كلمات فدخلن في أذني ووقرن في قلبي: أمرت أن لا أستغفر لمن مات مشركا، ومن أعطى فضل ماله فهو خير له، ومن أمسك فهو شر له، ولا يلوم الله على كفاف» (١).

وقال الثوري عن الشيباني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: مات رجل يهودي وله ابن مسلم فلم يخرج معه، فذكر ذلك لابن عباس فقال: فكان ينبغي له أن يمشي معه ويدفنه ويدعو له بالصلاح ما دام حيا، فإذا مات وكله إلى شأنه، ثم قال: ﴿وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ﴾ -إلى قوله- ﴿تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ لم يدع (٢). ويشهد له بالصحة ما رواه أبو داود وغيره عن علي ، لما مات أبو طالب قلت: يا رسول الله إن عمك الشيخ الضال قد مات، قال:

«اذهب فواره ولا تحدثن شيئا حتى تأتيني» (٣) فذكر تمام الحديث، وروي أنه لما مرت به جنازة عمه أبي طالب قال: «وصلتك رحمة يا عم» وقال عطاء بن أبي رباح: ما كنت لأدع الصلاة على أحد من أهل القبلة، ولو كانت حبشية حبلى من الزنا، لأني لم أسمع الله حجب الصلاة إلا عن المشركين، يقول الله ﷿: ﴿ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ﴾ الآية.

وروى ابن جرير (٤)، عن ابن وكيع عن أبيه عن عصمة بن زامل عن أبيه، قال: سمعت أبا هريرة يقول رحم الله رجلا استغفر لأبي هريرة ولأمه، قلت ولأبيه. قال لا. قال إن أبي مات مشركا، وقوله: ﴿فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ قال ابن عباس: ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه، وفي رواية لما مات تبين له أنه عدو لله، وكذا قال مجاهد والضحاك وقتادة وغيرهم ، وقال عبيد بن عمير وسعيد بن جبير: إنه يتبرأ منه يوم القيامة حتى يلقى أباه، وعلى وجه أبيه القترة والغبرة، فيقول: يا إبراهيم إني كنت أعصيك وإني اليوم لا أعصيك، فيقول أي رب ألم تعدني أن لا تخزني يوم يبعثون، فأي خزي


(١) انظر تفسير الطبري ٦/ ٤٨٩.
(٢) انظر تفسير الطبري ٦/ ٤٩٠، ٤٩١.
(٣) أخرجه أبو داود في الجنائز باب ٦٦، والنسائي في الطهارة باب ١٢٧، والجنائز باب ٨٤، وأحمد في المسند ١/ ٩٧، ١٠٣، ١٣٠، ١٣١.
(٤) تفسير الطبري ٦/ ٤٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>