للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَاسًا مِنْهُمْ فَضَحَهُمْ، فَجَاءَ عُمَرُ وَهُمْ يُخْرَجُونَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاخْتَبَأَ مِنْهُمْ حَيَاءً أَنَّهُ لَمْ يَشْهَدِ الْجُمُعَةِ وَظَنَّ أَنَّ النَّاسَ قَدِ انْصَرَفُوا، وَاخْتَبَئُوا هُمْ مِنْ عُمَرَ ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ بِأَمْرِهِمْ، فَجَاءَ عُمَرُ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَإِذَا النَّاسُ لَمْ يُصَلُّوا، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: أَبْشِرْ يَا عُمَرُ قَدْ فَضَحَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ الْيَوْمَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَهَذَا الْعَذَابُ الْأَوَّلُ حِينَ أَخْرَجَهُمْ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَالْعَذَابُ الثَّانِي عَذَابُ الْقَبْرِ «١» ، وَكَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ نَحْوَ هَذَا.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ في قوله سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ يعني القتل والسبي، وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ بِالْجُوعِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ «٢» ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عذاب الدنيا وعذاب القبر ثم يردون إلى عذاب عظيم النَّارِ «٣» ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: عَذَابٌ فِي الدُّنْيَا وَعَذَابٌ فِي الْقَبْرِ «٤» ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: أَمَّا عَذَابٌ فِي الدُّنْيَا فَالْأَمْوَالُ وَالْأَوْلَادُ، وقرأ قوله تَعَالَى فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَهَذِهِ الْمَصَائِبُ لَهُمْ عَذَابٌ وَهِيَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَجْرٌ، وَعَذَابٌ فِي الْآخِرَةِ فِي النَّارِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ قَالَ النَّارُ «٥» ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ قَالَ: هُوَ فِيمَا بَلَغَنِي مَا هُمْ فِيهِ مِنْ أَمْرِ الْإِسْلَامِ وَمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْظِ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ حِسْبَةٍ، ثُمَّ عَذَابُهُمْ فِي الْقُبُورِ إِذَا صَارُوا إِلَيْهَا، ثُمَّ الْعَذَابُ الْعَظِيمُ الَّذِي يُرَدُّونَ إِلَيْهِ عَذَابُ الْآخِرَةِ وَالْخَلَدِ فِيهِ «٦» ، وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ عَذَابُ الدنيا وعذاب القبر ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَرَّ إِلَى حُذَيْفَةَ بِاثْنَيْ عَشَرَ رجلا من المنافقين، فقال ستة منهم تكفيهم الدُّبَيْلَةُ سِرَاجٌ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ يَأْخُذُ فِي كَتِفِ أَحَدِهِمْ حَتَّى يُفْضِيَ إِلَى صَدْرِهِ، وَسِتَّةٌ يَمُوتُونَ مَوْتًا، وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إِذَا مَاتَ رَجُلٌ مِمَّنْ يُرَى أَنَّهُ مِنْهُمْ، نَظَرَ إِلَى حُذَيْفَةَ فَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ وَإِلَّا تَرَكَهُ، وَذُكِرَ لنا أن عمر قال لحذيفة أنشدك الله أَمِنْهُمْ أَنَا؟ قَالَ لَا وَلَا أُومِنُ مِنْهَا أحدا بعدك.

[[سورة التوبة (٩) : آية ١٠٢]]

وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٠٢)

لَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى حَالَ الْمُنَافِقِينَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الْغَزَاةِ رَغْبَةً عَنْهَا وَتَكْذِيبًا وَشَكًّا، شَرَعَ فِي بَيَانِ حَالِ الْمُذْنِبِينَ الَّذِينَ تَأَخَّرُوا عَنِ الْجِهَادِ كَسَلًا وَمَيْلًا إِلَى الرَّاحَةِ مَعَ إِيمَانِهِمْ وَتَصْدِيقِهِمْ بِالْحَقِّ، فَقَالَ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ أَيْ أَقَرُّوا بِهَا وَاعْتَرَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وبين ربهم، ولهم أعمال


(١) تفسير الطبري ٦/ ٤٥٧.
(٢) تفسير الطبري ٦/ ٤٥٧.
(٣) تفسير الطبري ٦/ ٤٥٨.
(٤) تفسير الطبري ٦/ ٤٥٨.
(٥) تفسير الطبري ٦/ ٤٥٨.
(٦) تفسير الطبري ٦/ ٤٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>