للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها﴾ [الرعد: ٤١]، على أحد الأقوال في المكان، كما قال محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس: لما بين يديها من القرى وما خلفها من القرى، فالمراد لما بين يديها وما خلفها من القرى، وكذا قال سعيد بن جبير: لما بين يديها وما خلفها، قال: من بحضرتها من الناس يومئذ. وروي عن إسماعيل بن أبي خالد وقتادة وعطية العوفي ﴿فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها﴾ قال: ما قبلها من الماضين في شأن السبت. وقال أبو العالية والربيع وعطية: ﴿وَما خَلْفَها﴾ لما بقي بعدهم من الناس من بني إسرائيل أن يعملوا مثل عملهم، وكان هؤلاء يقولون: المراد لما بين يديها وما خلفها في الزمان.

وهذا مستقيم بالنسبة إلى من يأتي بعدهم من الناس أن يكون أهل تلك القرية عبرة لهم، وأما بالنسبة إلى من سلف قبلهم من الناس فكيف يصح هذا الكلام أن تفسر الآية به، وهو أن يكون عبرة لمن سبقهم؟ وهذا لعل أحدا من الناس لا يقوله بعد تصوره فتعين أن المراد بما بين يديها وما خلفها في المكان، وهو ما حولها من القرى، كما قاله ابن عباس وسعيد بن جبير، والله أعلم.

وقال أبو جعفر الرازي (١)، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية ﴿فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها﴾ أي عقوبة لما خلا من ذنوبهم. وقال ابن أبي حاتم: وروي عن عكرمة ومجاهد والسدي والفراء وابن عطية: لما بين يديها من ذنوب القوم وما خلفها، لمن يعمل بعدها مثل تلك الذنوب. وحكى الرازي ثلاثة أقوال: أحدها: أن المراد بما بين يديها وما خلفها، من تقدمها من القرى (٢) بما عندهم من العلم بخبرها بالكتب المتقدمة ومن بعدها. والثاني: المراد بذلك من بحضرتها من القرى (٣) والأمم. والثالث: أنه تعالى، جعلها عقوبة لجميع ما ارتكبوه من قبل هذا الفعل وما بعده، وهو قول الحسن. (قلت) وأرجح الأقوال المراد بما بين يديها وما خلفها، من بحضرتها من القرى، يبلغهم خبرها وما حل بها، كما قال تعالى ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى﴾ [الأحقاف: ٢٧]، وقال تعالى: ﴿وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ﴾ [الرعد: ٣١]، وقال تعالى ﴿أَفَلا يَرَوْنَ أَنّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها﴾ [الرعد: ٤١] فجعلهم عبرة ونكالا لمن في زمانهم، وموعظة لمن يأتي بعدهم بالخبر المتواتر عنهم، ولهذا قال ﴿وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾.

وقوله تعالى: ﴿وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ قال محمد بن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس ﴿وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ الذين من بعدهم إلى يوم القيامة، وقال الحسن وقتادة ﴿وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ بعدهم فيتقون نقمة الله ويحذرونها، وقال السدي وعطية العوفي


(١) تفسير الرازي ٣/ ١٠٤.
(٢) في الرازي: «من الأمم والقرون».
(٣) في الرازي: «القرون».

<<  <  ج: ص:  >  >>