للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بإخراجه البخاري (١). والمراد بالقرآن هو الزبور.

وقوله ﴿أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي من إيمان جميع الخلق ويعلموا، أو يتبينوا ﴿أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النّاسَ جَمِيعاً﴾ فإنه ليس ثم حجة ولا معجزة أبلغ ولا أنجع في العقول والنفوس.

من هذا القرآن الذي لو أنزله الله على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله. وثبت في الصحيح أن رسول الله قال: «ما من نبي إلا وقد أوتي ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» (٢)، معناه أن معجزة كل نبي انقرضت بموته، وهذا القرآن حجة باقية على الآباد لا تنقضي عجائبه ولا يخلق عن كثرة الرد ولا يشبع منه العلماء هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا منجاب بن الحارث، أنبأنا بشر بن عمارة، حدثنا عمر بن حسان عن عطية العوفي قال: قلت له: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ﴾ الآية، قالوا لمحمد : لو سيرت لنا جبال مكة حتى تتسع، فنحرث فيها، أو قطعت لنا الأرض كما كان سليمان يقطع لقومه بالريح، أو أحييت لنا الموتى كما كان عيسى يحيي الموتى لقومه، فأنزل الله هذه الآية، قال: قلت: هل تروون هذا الحديث عن أحد من أصحاب النبي قال:

نعم عن أبي سعيد عن النبي ، وكذا روى ابن عباس والشعبي وقتادة والثوري وغير واحد في سبب نزول هذه الآية، والله أعلم. وقال قتادة: لو فعل هذا بقرآن غير قرآنكم لفعل بقرآنكم (٣).

وقوله ﴿بَلْ لِلّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً﴾ قال ابن عباس: أي لا يصنع من ذلك إلا ما شاء ولم يكن ليفعل، رواه ابن إسحاق بسنده عنه، وقاله ابن جرير أيضا. وقال غير واحد من السلف في قوله ﴿أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾: أفلم يعلم الذين آمنوا، وقرأ آخرون: أفلم يتبين الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا. وقال أبو العالية: قد يئس الذين آمنوا أن يهدوا، ولو يشاء الله لهدى الناس جميعا. وقوله: ﴿وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ﴾ أي بسبب تكذيبهم لا تزال القوارع تصيبهم في الدنيا أو تصيب من حولهم، ليتعظوا ويعتبروا، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الأحقاف: ٢٧] وقال ﴿أَفَلا يَرَوْنَ أَنّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ﴾ [الأنبياء:٤٤]. قال قتادة عن الحسن ﴿أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ﴾ أي القارعة (٤) وهذا هو الظاهر من السياق.


(١) كتاب الأنبياء باب ٣٧.
(٢) أخرجه البخاري في الاعتصام باب ١، وفضائل القرآن باب ١، ومسلم في الإيمان حديث ٢٣٩.
(٣) انظر تفسير الطبري ٧/ ٣٨٧.
(٤) انظر تفسير الطبري ٧/ ٣٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>